أعمدة

عماد الدين حسين | يكتب : زيارة سلمان.. وخطورة المبالغة فى الأرقام

عماد الدين حسين

زيارة عاهل السعودية الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر هذه الأيام تاريخية بالفعل وفى غاية الاهمية، ورغم ذلك علينا أن نكون واقعيين طوال الوقت ونحن نتحدث عن النتائج المتوقعة؛ حتى لا يرتفع سقف التوقعات لدى المواطنين، وبعدها قد يصابوا بالإحباط، كما حدث بعد المؤتمر الدولى لدعم الاقتصاد المصرى فى شرم الشيخ فى مارس من العام قبل الماضى.

الوفد المرافق لسلمان غير مسبوق ويضم أكثر من ٨٠٠ شخص، من بينهم ١٨ وزيرا و٢٥ أميرا وكوكبة من كبار رجال الأعمال والإعلاميين وأعضاء مجلس الشورى السعودى، يتوزعون بين خمسة من الفنادق الكبرى بمنطقة وسط البلد وجميعها مطلة على النيل.
الرسالة الأساسية من وراء هذا الحشد موجهة لأطراف متعددة داخل البلدين وفى المنطقة والعديد من الدول الكبرى.
فى مؤتمر شرم الشيخ قبل نحو ١٣ شهرا كانت هناك العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم ودراسات الجدوى. وقتها تحدث الوزراء والمسئولون ونقل عنهم الإعلام أحاديث وردية عن أنهار من العسل واللبن الاستثمارية التى سوف تتدفق على مصر بمبالغ زادت على ٢٠٠ مليار دولار.
الإعلام لم يدقق كثيرا فى هذه المبالغ الخيالية التى لم تفرق بين اتفاقية نهائية ومذكرة تفاهم أو وعد بدراسة المشروعات. المواطنون البسطاء عندما قرأوا هذه الوعود تصوروا ــ ولهم كل الحق فى ذلك ــ أن كل مشاكل مصر سوف يتم حلها ما بين طرفة عين وانتباهتها. صحيح أن هناك مشروعات حقيقية تم البدء فى تنفيذها مثل مشروعات الطاقة، خصوصا محطات الكهرباء، وثانية فى الطريق، وثالثة تنتظر دراسات جدوى حقيقية، ورابعة تنتظر الاستقرار الامنى، لكن المؤكد أن المبالغة فى الأحلام وخلطها بالواقع قد أصاب كثيرين بالإحباط.
وحرصًا على العلاقات المصرية ــ السعودية ومستقبلها، نرجو من المسئولين فى البلدين ووسائل الإعلام ألا تبالغ فى الأرقام والمشروعات، وأن تنقل الواقع من دون «تزويق». لو اكتفى هؤلاء بالواقع فإن الصورة ستكون ممتازة، خصوصا أن هناك تأكيدات على اتفاقيات فى معظم المجالات من الزراعة إلى الصناعة، ومن الإسكان إلى التعدين، ومن مزارع الدواجن إلى بناء الجامعات. يعتقد كثيرون أن كل ما قيل من مشروعات أو تمويلات هى مساعدات نقدية والحقيقة أنها خليط من قروض بتسهيلات فى السداد خصوصا فى واردات المواد البترولية، واستثمارات متوقعة، وربما وديعة فى البنك المركزى لدعم الاحتياطى النقدى.
السعودية وقفت مع مصر وقفة لا يمكن أن تنسى بعد ٣٠ يونية، ومعها الإمارات العربية المتحدة، وما قدموه كان حاسما فى مواجهة مصر لمؤامرات كثيرة فى الداخل والخارج، وبالتالى فلا نحتاج إلى المبالغة لإثبات قوة العلاقات المصرية السعودية، أو الإماراتية.
مرة أخرى.. الزيارة فى غاية الأهمية، ولا يمكن اختصارها فى الملف الاقتصادى رغم أهميته الفائقة.
الرسالة الأساسية من وراء هذا العدد الضخم من الوفد المرافق لخادم الحرمين موجهة لأطراف متعددة داخل البلدين وفى المنطقة، والعديد من الدول الكبرى.
هى رسالة لجماعة الإخوان بأن رهانهم على تصدع فى العلاقات وإحداث ثغرة ينفذون منها قد خاب.. ورسالة لإيران وتركيا وقطر وقوى كبرى متعددة بأن التفاهم المصرى السعودى قوى وغير قابل للكسر.
ورغم ذلك علينا ألا نبالغ؛ لأن واقع العرب المأساوى لن تحله قمة مصرية سعودية، أو حتى قمة عربية شاملة فشلنا فى عقدها فى موعدها الدورى قبل شهر. لو أن الزيارة بنتائجها المنتظرة وضعت البلدين والمنطقة على طريق الخروج من الازمة المتفاقمة فسوف تكون نجحت نجاحا كبيرا.
مرحبًا بضيف مصر الكبير وكل الوفد المرافق له.. وكل التمنيات بعلاقات استراتيجية تقوم على أسس راسخة ودائمة.
 المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى