أعمدة

عماد الدين حسين |يكتب : لا تقعوا فى مصيدة الإيرباص

عماد-الدين-حسين1
بعد تحطم الطائرة الإيرباص المصرية القادمة من باريس فوق مياه البحر المتوسط، أخشى أن نقع حكومة وإعلاما فى مصيدة الحرب الإعلامية مع الصحافة الفرنسية أو الغربية، كما حدث، فى قضية طالب الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى فى فبراير الماضى، وخسرنا فيها الرأى العام الإيطالى تقريبا، وقبلها التنابز والتراشق أحيانا مع موسكو عقب قرارها بسحب السائحين فى أكتوبر الماضى.
من المنطقى أن فرنسا تتمنى أولا أن يكون سبب سقوط الطائرة هو خطأ بشرى من الطيار المصرى محمد شقير يرحمه الله أو مساعده، لأن ذلك سيعفيها من مسئولية تأمين الطائرة التى انطلقت من مطارها الأكبر والأشهر شارل ديجول فى باريس، وسيعنى أن الإرهابيين اخترقوا أمنها. وإذا ثبتت فرضية العمل الإرهابى فإن فرنسا تتمنى أن يكون ذلك تم عبر إطلاق صاروخ مثلا بعد أن تكون الطائرة غادرت مجالها الجوى.
الخيارالأفضل الثانى لفرنسا أن يكون السبب هو عطل فنى، لأنه أهون كثيرا من العمل الإرهابى، حتى لو كانت هى البلد المصنع للطائرة الإيرباص التى يقع مقرها الرئيسى فى تولوز جنوب فرنسا.
تلك هى التمنيات الفرنسية ومن الطبيعى أن تسعى الحكومة ومعها الصحافة الفرنسية إلى ترويج أى سيناريوهات وأخبار وأفكار وتحليلات ترجح هذه الفرضيات.
بالنسبة لنا فى مصر فإن العكس هو الصحيح. فتحطم الطائرة لعطل فنى سيوقف دمغ مصر وشركتها الوطنية للطيران بأنها مستهدفة من الإرهابيين دائما.
فإذا لم يكن هذا فالخيار الثانى أن تكون تحطمت بفعل فاعل وبهجوم إرهابى وفى هذه الحالة فإن فرنسا التى ستتحمل المسئولية وألا يكون زرع القنبلة مثلا تم فى القاهرة.
السيناريوهات كثيرة ومتنوعة، ومنها مثلا أنها سقطت بفعل صاروخ انطلق من ليبيا مثلا، وإذا صح هذا الأمر رغم صعوبته فإنه سيعفى فرنسا من المسئولية تماما، ويعطى المجتمع الدولى حجة قوية لشن هجوم كاسح ضد الميليشيات الإرهابية فى ليبيا.
لكن هناك سينايوهات تبدو غريبة جدا، مثل تلك التى ألمحت إليها محطة سى إن إن الأمريكية حينما تحدثت عن احتمال انتحار قائد الطائرة. والمريب هو أنه لا توجد أى معطيات متاحة تبرر الحديث عن هذا الاحتمال، ما يعطى مصداقية للحديث عن نظرية المؤامرة الشاملة ضد مصر، مادامت المحطة الأمريكية لم تقدم أى براهين تدعم مزاعمها. وفى المقابل تنبغى الإشادة بالتغطية المهنية للعديد من وسائل الإعلام الغربية مثل «فرنسا 24». وبالطبع لن نناقش السيناريوهات العجائبية مثل النبضة أو الرعشة أو الصدمة الإلكتروتنية.
فى كل الأحوال تبدو المعالجة المصرية للكارثة جيدة إلى حد ما مقارنة بما حدث مع حادث سقوط وتحطم الطائرة الروسية فوق سيناء فى أكتوبر الماضى.
أفضل طريق هو أن يتعامل الإعلام المصرى مع الأمر بصورة مهنية وموضوعية، وألا ينجر إلى خناقات حوارى مع تسريبات من هنا أو هناك، بل يرد بمعلومات سريعة.
الفيصل بالنسبة لنا هو البيانات الرسمية التى تصدر من فرنسا أو اليونان وقبل هذا وبعده علينا انتظار بيانات الصندوق الأسود للطائرة.
وفى هذه الحالة نتمنى أن تصل السلطات المصرية أولا إلى هذا الصندوق حتى لا يتم العبث به بصورة أو بأخرى، ولا تتكرر مأساة الصندوق الخاص بالطائرة المصرية التى تحطمت أمام سواحل نيويورك عام ١٩٩٩، حيث تعتقد القاهرة أن واشنطن اتهمت قائد الطائرة جميل البطوطى ظلما بأنه أقدم على الانتحار قائلا: «توكلت على الله».
الأمور معقدة وصعبة وتتعلق بموضوعات وقضايا متداخلة من أول سمعة الطائرات إلى سمعة الشركة المصنعة مرورا بمن يدفع التعويضات نهاية بمحاولة تشويه حكومات وأنظمة. وبالتالى فعلينا أن نعتصم بالحكمة والموضوعية والمهنية، وألا نقع فى مصيدة جديدة كما حدث لنا من قبل.
 المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى