أعمدة

عمار علي حسن | يكتب : أساطير سياسية

عمار علي حسن

حين تحضر الأساطير لا نكون قطعاً أمام «خيال سياسى علمى» إنما «تخييل» يضفى مهابة وسحراً على سلوك أو شىء معين، أو يبرر وجود جماعة بشرية، دينية أو عرقية أو سياسية، أو يبرر تصرفات بإحالتها إلى حقوق تاريخية أو جذور سماوية.

وهناك أمثلة عديدة يمكن ذكرها فى هذا المقام، فى مطلعها ما كتبه الفيلسوف الفرنسى روجيه جارودى عن «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية»، حيث اعتبر الهولوكوست قد تأسطر، بغية تبرير احتلال فلسطين، عارضاً بحثاً تاريخياً وشهادات متناقضة لأشخاص كانوا يعملون فى المعتقلات الألمانية أثناء محاكمة النازيين، ثم قسم هذه الأساطير إلى دينية، ومنها أسطورة الأرض الموعودة، وشعب الله المختار، وأسطورة يهودا أو التصفية العرقية، ثم الأساطير السياسية مثل معاداة السامية وعدالة محاكمة نورنبيرج، وأسطورة «أرض بلا شعب لشعب لا أرض» وجماعات الضغط اليهودية فى الغرب، ومعجزة إسرائيل.

ودرس صلاح سالم الأساطير المؤسسة لـ«الإسلام السياسى»، منطلقاً من أنه يؤسس حضوره التاريخى فى المجتمعات العربية، ويزعم أن له حقاً فى التحكم فى مصائرها، على عدة «أقانيم» يعتقد فى صحتها، رغم أنها زائفة وهامشية. وتتأسس أسطورة هذا التيار الذى يصارع على السلطة فى عالمنا العربى على أربعة أركان هى: الدولة الشرعية، والهوية المغلقة، والمؤامرة الغربية، وضرورة الجهاد العسكرى.

وقام ناجى الركابى بتشريح ما سمَّاها «الأساطير المؤسسة للعقل الثقافى العراقى»، حيث اجتهد فى تفسير ظواهر اجتماعية وثقافية معاصرة، تسهم جوهرياً فى صياغة الأنساق والجذور والحواضن التى تشكّل العقل العراقى المعاصر، ومنها الأساطير والملاحم الدينية والشعبية التى نشأت فى بيئات جغرافية متجاورة، حيث الصحراء والنهر والحقل، حيث عدَّل العراقيون أدياناً وثقافات وفدت إليهم مثل الإسلام والمسيحية واليهودية والزرادشتية، لتتماشى مع خصوصياتهم.

وهناك محاولات لتفكيك بعض التصورات المقولات المشبعة بالأساطير التى تحرص عليها جماعات عرقية فى العالم العربى. وفى هذا الصدد تناول الباحث السورى غسان شاهين «الأساطير المؤسسة لمشروع كردستان الغربية»، عارضاً إياه من وجهة نظره فى ست أساطير هى: الاستناد إلى معركة جالديران التى قسمت كردستان بين الصوفيين والعثمانيين، ثم اتفاقية سايكس بيكو التى قسمت كردستان إلى أربع دول، وبعدها الوجود التاريخى للأكراد على أرض الجزيرة السورية، وكون الأكراد ضحية لقانون الإصلاح الزراعى فى الجزيرة السورية، الذى صدر عام 1959 حيث تمت مصادرة أراضيهم، وقيام الحكومة السورية بتعريب الجزيرة، وأخيراً كون الحركة القومية الكردية تمثل معارضة وطنية.

وعلى المنوال ذاته درس رمضان مصباح الإدريسى ما قال إنها «الأساطير المؤسسة للمظلومية الأمازيغية»، التى انطلق فيها من عبارة دالة تقول: «إذا كانت الجغرافيا أمازيغية فالتاريخ مغربى»، وبذا يرفض قيام أى صراع بين «فريقين لغويين» استناداً إلى أساطير تركها الأسلاف، وينتقد الشعار الذى يقول «عرب ظالمون وأمازيغ مظلومون» ويؤمن بأن للمغرب تاريخاً واحداً، وينادى أن تكون الثقافة الأمازيغية رحبة ولا تضيقها المظلومية.

وهذه الدراسات تبين أن «مخيال» شعب أو جماعة دينية أو تيار سياسى قد صنع من الأساطير ما يؤدى إلى تماسكه، وتبرير وجوده، وشرعنة مسلكه، والترويج لمساره، وتعزيز مصالحه الجماعية أو الفردية، لكن هذا لا يشكل «الخيال السياسى العلمى» الذى يجب أن نسعى إليه، حتى نتقدم إلى الأمام.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى