أعمدة

عمرو حمزاوى | يكتب : فى أولوية الصغار.. تنمويًا وديمقراطيًا!

عمرو-حمزاوي - Copy
ستستحيل العودة إلى مسار تحول ديمقراطى حقيقى فى مصر، من بين شروط كثيرة أخرى، دون نمو اقتصادى وتنمية بشرية مستديمة عمادهما تحرير المبادرات الفردية من القيود، وتشجيع مشروعات القطاع الخاص متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فى مجالات إنتاجية وخدمية متنوعة وتحفيز الاستثمارات المحلية والخارجية على دعمها.

لمؤسسات وأجهزة الدولة فى مصر وللقطاع العام مشروعاتها القومية الكبرى، والتى نتمنى جميعا وبغض النظر عن الموقف من منظومة الحكم / السلطة نجاحها. غير أن هذه المشروعات، وهى فى المجمل تتجه إلى قطاعات البنية التحتية كقناة السويس الجديدة وشبكات الطرق والطاقة واستصلاح الأراضى الزراعية وغيرها، ليس لها بمفردها أن تحدث النمو الاقتصادى والتنمية المستديمة، ولا أن تحتوى أزمات الفقر والبطالة والتهميش، ولا أن تحسن ظروف الناس المعيشية وتتيح لهم فرص الترقى وتحقيق الذات. ومنظورا إليها بشروط الديمقراطية ــ سيادة القانون وتداول السلطة وصون الحقوق والحريات والشراكة بين المواطن والمجتمع والدولة وقبول مؤسسات وأجهزة الدولة مبادئ الشفافية والرقابة والمساءلة والمحاسبة بمضامينها القانونية والشعبية، ترتب المشروعات القومية الكبرى حين تغيب أو تضعف المبادرات الفردية ومشروعات القطاع الخاص تركيز الموارد فى يد مؤسسات وأجهزة الدولة والقطاع العام وتعطيها من ثم المزيد من عناصر القوة لتجاوز المواطن والمجتمع ولاستتباعهما، وفى التحليل الأخير للتنصل من شروط الديمقراطية.

أما المبادرات الفردية ومشروعات القطاع الخاص، فينبغى بشأنها التمييز فى السياق المصرى بين الاستثمارات ورءوس الأموال الكبيرة وبين الاستثمارات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. اقتصاديا، لم تنجح البلدان ذات الظروف السكانية والمجتمعية المشابهة للظروف المصرية فى تحقيق النمو الاقتصادى والتنمية المستديمة بالاعتماد على الاستثمارات ورءوس الأموال الكبيرة ــ إن المحلية أو الخارجية ــ فقط. واليوم، ثمة توافق عام فى التجارب التنموية المختلفة، من الصين والهند إلى جنوب إفريقيا والبرازيل ومن ماليزيا وفيتنام إلى غانا وشيلى، بشأن حتمية التعويل على المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ﻹطلاق جهود تنموية جادة ــ خاصة حين تتكالب أزمات الفقر والبطالة وفجوات الدخول على المواطن والمجتمع.

وبحسابات الديمقراطية وبالنظر إلى السياق المصرى، تظل الاستثمارات ورءوس الأموال الكبيرة فى تحالفها العضوى مع منظومة الحكم / السلطة المسيطرة على مؤسسات وأجهزة الدولة، تحالف التأييد فى مقابل الحماية والعوائد، ومن ثم يستمر رفض هذه الاستثمارات ورءوس الأموال والنخب الاقتصادية والمالية التى تديرها لمسارات التحول الديمقراطى وللنتائج التى قد تأتى بها متمثلة فى سيادة القانون والشراكة الواسعة بين المواطن والمجتمع والدولة والتزام الشفافية والرقابة والمساءلة والمحاسبة، ومن ثم تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة فى السوق والانحياز الصريح لمطالب العدالة الاجتماعية فى السياسات العامة. أما الاستثمارات ورءوس الأموال متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، فلا فرصة حقيقية لتواجدها وبقائها وتطورها دون تحول ديمقراطى يحميها من نزوع الكبار إلى الاحتكار ولتوظيف التحالف العضوى مع منظومة الحكم / السلطة لتهميش أو حصار أو طرد الصغار من قطاعات ومجالات النشاط الاقتصادى.

الأمل لجهة النمو الاقتصادى والتنمية المستديمة وكذلك لجهة التحول الديمقراطى هو فى تشجيع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وليس فى الاعتماد الأحادى على المشروعات القومية الكبرى أو على كبار القطاع الخاص ــ على أهميتهما.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى