أعمدة

عمرو حمزاوى | يكتب : وهم المعارضة من الخارج

عمرو حمزاوى
خطوط واضحة تفصل بين ممارسة المواطن لحقه الأصيل فى الاهتمام بالشأن العام والتعبير الحر والسلمى عن الرأى، وهو ما يفعله الكثير من المصريات والمصريين من داخل مصر وخارجها بعضهم من مواقع تأييد للحكم وللسياسات الرسمية وللإجراءات الحكومية وبعضهم من مواقع المعارضة والمعارضة الحادة، وبين تورط مجموعات أو جماعات فى تكوين حركات معارضة سياسية فى الخارج تتناقض فكرتها الأساسية مع حقائق تاريخ وجغرافية مصر وطبيعة مجتمعها الذى أبدا لم يعترف ولن يعترف بشرعية «العمل السياسى» من الخارج.

لممارسة المواطن لحقه الأصيل فى الاهتمام بالشأن العام والتعبير الحر والسلمى عن الرأى من خارج حدود الدولة الوطنية تقاليد راسخة وإيجابية فى المجال العام المصرى. أجيال متعاقبة من المفكرين والكتاب والعلماء والأكاديميين والصحفيين، الذين درسوا فى الغرب وعمل بعضهم فى الجامعات الأمريكية والأوروبية كمتخصصين فى الشئون المصرية والعربية وملفات الشرق الأوسط، دوما ما اشتبكت من الخارج وأثرت نقاشاتنا العامة وربطت بيننا وبين الإنسانية التى نحن جزء منها ومن قيمها وطموحاتها وأحلامها.

وإلى اليوم، يواصل الكثير من المفكرين والكتاب والعلماء والأكاديميين والصحفيين المصريين من الخارج اشتباكهم الإيجابى مع شئون الوطن وأحوال بلاد العرب والشرق الأوسط، بعضهم من مواقع التأييد للحكم وبعضهم من مواقع المعارضة والنقد للديمقراطية الغائبة وللعصف بسيادة القانون ولانتهاكات الحقوق والحريات وللرؤية التنموية غير واضحة الملامح ولتفاصيل الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة حكوميا. وتتسع دوائر الاهتمام بالشأن العام والتعبير الحر والسلمى عن الرأى من الخارج لتشمل مصريات ومصريين ينشطون فى قطاعات العمل الحقوقى والمنظمات غير الحكومية ومجالات المجتمع المدنى المختلفة، ويقدمون رؤى محددة عن أوضاع حقوق الإنسان والحريات فى مصر ويعقدون المقارنات بين حالتنا وحالة مجتمعات ودول أخرى ويطرحون توصيات موضوعية تستهدف دفع الوطن قدما.

فى جميع هذه السياقات، نحن أمام مصريات ومصريين لهم كامل الحق فى ممارسة الاهتمام بالشأن العام وكامل الشرعية فى التعبير الحر والسلمى عن الرأى وفى النقد العلنى، دون أن يزايد على وطنيتهم شأنهم شأن المصريات والمصريين الذين يقومون بذلك من داخل الحدود. فى جميع هذه السياقات، نحن أمام مصريات ومصريين يثرون نقاشاتنا العامة وقد يساعدوننا فى الداخل على تجاوز أزمة الصوت الواحد والرأى الواحد وعلى مقاومة تهميش بعض قضايا الحقوق والحريات أو تحويل مسألة الرؤية التنموية واضحة المعالم إلى مسكوت عنه وعلى التواصل الصحى (دون خوف ودون أوهام التآمر) مع العالم الخارجى.

أما التورط فى تكوين حركات معارضة سياسية فى الخارج، وبكل تأكيد حين تبرر بعض أو كل هذه الحركات للعنف أو حين تعصف فى ممارساتها بالصالح العام للمواطن وللمجتمع وللدولة الوطنية، فيظل صنو توجه يتناقض مع حقائق تاريخ وجغرافية مصر وتلغيه بقسوة طبيعة مجتمعنا ووعى المواطن الرافض ﻷوهام السياسة من خارج الحدود وكذلك لإدعاءات تغيير أوضاع الداخل عبر حركات تتكون وتعتاش على الخارج ــ تماما كما يرفض وعى المواطن استساغة الخلط بين الابتعاد عن مصر الذى ينزع أبدا الحق فى ممارسة الاهتمام بالشأن العام والتعبير الحر والسلمى عن الرأى وبين التواجد خارج البلاد وادعاء احتكار الحقيقة المطلقة بشأن تقييم أوضاعها وأحوالها.

فقط لجر الخطوط الفاصلة.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى