أعمدة

فهمى هويدى | يكتب : من حسنات غياب البرلمان

فهمى

رفض البرلمان الباكستانى الاستجابة لطلب السعودية اشتراك قواتها البرية فى الحرب الدائرة باليمن ليس مفاجئا تماما. مع ذلك فثمة أسباب لا تخلو من وجاهة ربما صورت للبعض ان تلك المشاركة مفروغ منها نظرا للعلاقات الوثيقة التى تربط بين البلدين. فضلا عن العلاقات الشخصية التى تربط بين رئيس الوزراء الباكستانى الحالى نواز شريف مع النظام السعودى. إذ المعلوم ان المساندة السعودية لباكستان مستمرة على مختلف الأصعدة منذ تأسيس الدولة فى عام ١٩٤٧، فإلى جانب استمرار الدعم الاقتصادى لبرنامجها النووى، فللسعودية اليد الطولى فى إنشاء الجامعة الإسلامية بإسلام أباد، ولايزال أكبر مساجد العاصمة يطلق عليه اسم صاحب فكرته «شاه فيصل مسجد» التى تعنى فى الأردية مسجد الملك فيصل. أما رئيس الوزراء الحالى نواز شريف، فقد نُفى مرتين خارج باكستان وكانت السعودية هى التى استضافته فى كل مرة. الأولى فى سنة ٢٠٠٠ حين انقلب عليه الجنرال برويز مشرف رئيس الأركان واتهمه بالإرهاب والخطف واستصدر ضده حكما بالسجن مدى الحياة. والثانية فى عام ٢٠٠٧ حين سمحت له المحكمة العليا بالعودة إلى بلاده، لكنه ما ان وصل إلى إسلام أباد حتى قامت حكومة «الرئيس» مشرف بترحيله إلى جدة.

الشاهد انه من الناحية العاطفية فالعلاقة بين البلدين تتمتع بدفء خاص، إلا أن الأمر اختلف حين عرض على البرلمان الذى يمثل مختلف القوى السياسية. إذ فرضت العوامل الموضوعية وحسابات المصالح العليا نفسها، وهى العوامل التى تمثلت فيما يلى:

• هناك العامل المتعلق بالملابسات غير المقنعة لأفق الحرب اليمنية ذاتها التى بدأت بمشكلة داخلية، انضافت إليها عوامل خارجية وسعت من نطاقها ورفعت سقفها، بما قد يورط الجيش الباكستانى فى مستنقع لا يعرف كيف يخرج منه، خصوصا ان عقيدته القتالية تتحسب للتهديد الذى تمثله الهند بالدرجة الأولى.

• ثمة عامل آخر يتعلق بالأطراف الخارجية فى الصراع، إذ إلى جانب العلاقات الحميمة التى تربط باكستان مع السعودية، فإن علاقتها بالطرف الآخر المتمثل فى إيران من الأهمية والتشابك والتعقيد بحيث يتعذر التضحية بها تحت أى ظرف. فبين البلدين حدود مشتركة «والبلوش» فى الجنوب الشرقى لإيران يتوزعون على البلدين. وهذه المنطقة بالذات كثيرا ما تشهد اشتباكات بين الجانبين يراد تهدئتها وليس تأجيجها. ثم ان هناك مصالح مهمة ينبغى أن توضع فى الاعتبار. ذلك أن باكستان تعتمد كثيرا على النفط والغاز المستورد من إيران.

• هناك اعتبار مذهبى دقيق يضع باكستان فى موقف حرج. فالشيعة هناك تتراوح نسبتهم بين ٢٥ و٣٥٪ من السكان، وهم يعادلون نسبة الحوثيين فى اليمن. وهم فى باكستان يشكلون قوة سياسية واقتصادية معتبرة. والسيد نواز شريف نفسه رئيس حزب الرابطة الإسلامية شيعى، وكذلك كانت رئيسة حزب الشعب الراحلة بى نظير بوتو. والكتلة الشيعية لها وزنها فى البرلمان. ولكل هذه الأسباب فلم يكن مستساغا ان يتم التصويت لصالح تدخل الجيش الباكتسانى إلى جانب حرب السعودية ومعها المعسكر السنى ضد النفوذ الإيرانى والتمدد الشيعى فى اليمن.

• الاعتبار الرابع الذى لا يقل أهمية ان باكستان رغم النفوذ القوى للجيش فى المجال العام، إلا أن بها مجتمعا مدنيا قويا كما أن أحزاب المعارضة فيها صوتها مرتفع فى البرلمان وفى الشارع. وزعيم المعارضة فى مجلس الشيوخ اعتزاز أحسن دائم التحدى والنقد للحكومة التى طالب باستقالتها أكثر من مرة. وقد رفض من جانبه كما رفضت أحزاب المعارضة الأخرى فكرة اشتراك الباكستانيين فى حرب اليمن قائلين إن الجيش ليس للايجار، فضلا عن ان السعودية لم تتعرض لعدوان يهدد أراضيها.

الخلاصة ان القوى السياسية الممثلة فى البرلمان الباكستانى هى التى تبنت رفض الطلب السعودى رغم ان الحكومة بدت متعاطفة معه. على الأقل فذلك ما بدا فى خطاب وزير الدفاع خواجة آصف الذى قال أمام البرلمان ان أراضى السعودية تعرضت للانتهاك، وهو ما كان محل انتقاد ورفض من جانب أحزاب المعارضة.

السؤال الذى يخطر على البال حين يستعرض المرء تفاصيل ما جرى فى باكستان هو: ما الذى كان يمكن أن يحدث لو ان ذلك الطلب قد عرض على البرلمان المصرى؟ ــ ذلك سؤال افتراضى لانه لا يوجد لدينا برلمان، ولان القرار أتخذ وبدأت خطوات تنفيذه دون أن يعلم المجتمع والرأى العام المصرى بالأمر، ذلك اننا سمعنا بالخبر وعلمنا بالمشاركة المصرية فى التحالف من السفير السعودى فى واشنطن عادل الجبير الذى أشار إلى تلك المشاركة فى أول مؤتمر صحفى عقده مع بداية الحرب، وذكر أن عشر دول انضمت إلى التحالف بينها مصر.

ردى على السؤال الافتراضى، ان التركيبة المتوقعة وأجواء البرلمان كانت ستمرر القرار بأغلبية ساحقة طالما رغبت الحكومة فى ذلك، فالمقاعد الفردية التى تمثل الأغلبية الكاسحة (٤٢٠ مقعدا من ٥٦٧) يهمها استرضاء الحكومة بكل السبل. أما مقاعد القوائم التى لن تزيد على ١٢٠ مقعدا، فهى لأحزاب ضعيفة فى مجملها أغلبها يستمد شرعيته من رضا الحكومة بأكثر مما يستمده فى تأييد الشارع، وهو تحليل إذا صح فإنه يدعونا لأن نحمد الله على أننا فى الوقت الراهن ليس لدينا برلمان، كى لا يتحمل المجتمع أمام التاريخ مسئولية الورطة ويدفع ثمن تداعياتها.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى