أعمدةمقالات

عمرو خفاجى | يكتب : مَنْ سرق المصحف؟

من الأمور المضحكات المبكيات، فى واقعنا هذه الأيام، أن كل جماعة أو فرقة أو تيار، تخرج علينا بكل جسارة، لتؤكد لنا 

عمرو خفاجىإخلاصها للوطن وكدها وتعبها من أجل المواطن، وأنها هى فقط التى تعمل، وتوصل الليل بالنهار من أجل تحقيق الإنجازات التى تحاصرنا فى كل مكان، وبالطبع لا تنسى كل جماعة أو فرقة أو تيار، التأكيد على أنها هى فقط المخلصة والمجدة المجتهدة فى هذا الوطن، وحينما نتلفت بدقة للبحث عما حصدناه خلال الفترة الماضية لن نجد أى شىء قد تحقق بالفعل، سوى ارتفاع أرقام الديون، الداخلى منها والخارجى، وكذلك ازدياد أعداد الضحايا والمعتقلين، وسط انفلات أمنى واضح، ويبقى السؤال البديهى إذا كان الجميع يملك كل هذه الكميات المذهلة من الإخلاص والجهد والكد والتعب، فمن هو غير المخلص من هو المهمل المتسبب فى كل ما جرى لنا؟ 

نفس الأمر يتكرر فى قصة اتهام الإعلام بأنه فاسد ومأجور، فالاتهام بالأساس يروج له إعلاميون وصحفيون وكتّاب، كل واحد يخرج يوجه الاتهام للآخرين، طبعا باعتبار أنه على رأس فريق الإعلام النزيه والشريف وغير المأجور، وأن الوسائل التى يعملون بها، هى فقط البعيدة عن هذه الاتهامات، وحينما نحصى عدد من يقولون ذلك، نكتشف أنه من الصعب العثور على أى إعلامى أو صحفى أو كاتب ينتمى للاعلام المأجور الفاسد المخرب، فى ذات اللحظة، التى نرى فيها بالفعل، مخالفات إعلامية جسيمة ومغالطات مهنية مهولة، مَنْ هؤلاء الإعلاميين والصحفيين والكتاب؟.

وبالطبع نستطيع أن نشير إلى حماة الثورة وائتلافاتها، فلدينا جمعيات وجماعات وائتلافات تلصق الثورة باسمها باعتبارها المتحدث الوحيد عن ثورة يناير، وأنها فقط هى حامية هذه الثورة، وهذا أيضا ما تفعله بقية الشخصيات السياسية وجميع الأحزاب والقوى السياسية، باعتبارهم جميعا الثورة المصرية ومن يعملون على تحقيق أهدافها والأمناء عليها (لدينا مجلس لأمناء الثورة)، وكالعادة إذا بحثنا عن أى هدف من أهداف الثورة فلن نجد أى شىء قد تحقق من هذه الأهداف.

إذا حاولنا قراءة المشهد لن نجد سوى ضجيج، ولن نجد طحنا، سنجد مشاحنات ومداهنات، وخلافات ومشكلات، وظلام وإظلام، وحقائق تائهة، سنجد الأكاذيب تتصدر المشهد، أكاذيب تحاول أن ترتدى ثيابا مزيفة للإخلاص والحق والحقيقة. المشهد كله يذكرنى بواقعة أحب اللجوء إليها كثيرا، حيث كان التابعى الحسن البصرى يعظ جماعة من المسلمين وفى يده  مصحف.. العظة أثرت فى الجميع، وأخذ الكل يجهش بالبكاء، وراح البصرى فى غفوة للحظات، وحينما عاد ليمسك بالمصحف لم يجده، ووجد الكل يبكى أمامه فقال قولته البليغة الخالدة: «الكل يبكى.. فمن سرق المصحف».. فعلا الكل يبكى على الثورة فمن سرقها ؟.

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى