أعمدةمقالات

عمر طاهر | يكتب : صفية المهندس.. سيدة التاسعة والربع صباحا

عمر طاهر

(1) لم يمر فى بال طالبة كلية الآداب النحيلة يوما أنها ستكون الراعى الرسمى لإستقرار معظم البيوت المصرية، كمعلمة و مسستشارة ومرشدة إجتماعية هدفها الأول و الذى حققته بنجاح أسطورى أن (تأخذ بيد) كل إمرأة إلى البر الذى تبدو فيه الأسرة المصرية فى أفضل حال ممكن، تضخ فى وعى كل ربة منزل الأفكار التى كانت أحد أهم أسباب تماسك الأسرة المصرية على مدى ثلاثين عاما أو أكثر، و تحرس القيم الأسرية بحرفية إمتزج فيها الفن بالنصيحة المباشرة.

فى وقت كانت الكلمة الأولى فيه داخل البيوت ل ( الراديو)، كانت كل ربة بيت مصرية تجلس إلى جوار الراديو فى تمام التاسعة و الربع تنتظر إجابة الست صفية المهندس عن سؤال يؤرق ذهنها من التربية إلى المطبخ إلى العلاقة مع الزوج، وكانت الإجابات دائما نموذجية .. أمهاتنا يعرفن ذلك جيدا.

 

(2)

كل فشل مر بها فى حياتها كانت قادرة على ترجمته إلى نجاح عظيم.

وقفت طالبة كلية (آدابلغة إنجليزية) على مسرح الجامعة تلعب دور البطولة فىمسرحيات شكسبير، كان هناك دائما مكانا محجوزا للعاملين فى الإذاعة المصرية،التقط أحدهم الفكرة قائلا : لابد للإذاعة المصرية من صوت نسائي، و لن نجد أفضلمن تلك الفتاة.

أمام أحد الإذاعيين الكبار جلست الفتاة ليتم اختبارها، قدم لها الإذاعى نسخة من جريدةالأهرام لتقرأ عليه، كانت طالبة قسم اللغة الإنجليزية على علاقة ضعيفة باللغة العربيةفقدمت فقرة قالت عنها: كانت فضيحة لغوية، طلب منها الإذاعى الكبير أن تنصرفعلى وعد بالإتصال بها وفى نفسه يقين باستحالة أن يكون أول صوت نسائى فىالإذاعة المصرية بهذا السوء.

قال لها والدها: عيب فى حقى أن يكون هذا مستوى ابنة عميد دار العلوم، سنقضىالإجازة الصيفية فى تعلم اللغة العربية، لن نضيع دقيقة واحدة.

(3)

بعد سنوات طويلة كانت صوت صفية المهندس علامة مميزة لأهم برامج الشعر العربىفى الإذاعة المصرية، و رسخ فى وجدان المصريين صوتها و هى تردد كل يوم بيتالشعر الخالد :

أنا البحر فى أحشائه الدر كامن .. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي. وعندما وقفتأمام الميكروفون لأول مرة لتقدم أغنية لمحمد عبد الوهاب من تأليف الشاعر ( عزيزباشا أباظة).

قالت: الاغنية من تأليف عزيز (أباشا) باظة.

اكتشتفت خطأها فقررت أن تصلحه، فكررت الخطأ نفسه ثلاث مرات متتالية ( عزيزأباشا باظة)، فطلبوا منها أن تترك تقديم الأغنيات و تنتقل لتقديم الفقرة الصباحية وأهم ما يميزها تلاة قرآنية، دخلت إلى الاستوديو فوجدت المقريء يجلس أمامالميكروفون و قد خلع حذائه و (تربع) فوق المقعد، عندما دخلت سالها عن سببوجوددها ، فقالت له :سأقدمك، قام المقريء من مكانه منزعجا يجرى خلفها و هويسأل من المسئول عن هذة الفضيحة، (واحدة ست) تقدم القرآن؟، كال لها السبابمتوعدا كل العاملين فى الإذاعة ب (دا انتوا رايحين جهنم كلكم)، طال انتظارالمستمعين للتلاوة دون جدوي،وكانت مشكلة، لكنها لم تتوقف و ظلت تبحث عنطريق النجاح وهى تعى حجم المسئولية الملقاة على عاتقها و مؤمنة أن مفتاح بابدخول المراة المصرية إلى الإذاعة معلق فى رقبتها، وعليها ألا تضيعه.

بعد سنوات من العمل الشاق كانت أول إمرأة ترأس الإذاعة المصرية.

(4)

لم يكن للمرأة وجود فى الإذاعة إلا علي مستوى حديث أسبوعى تقدمه سهير القلماوىأو عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطيء)، حديث يمكن تحديد نوعه من نوع الأسماءالتى تقدمه، قالت صفية المهندس أن المرأة المصرية بحاجة لمن يقتحمها و يشدها إلىالحياة، تحتاج لتفاعل يقول لها أن الحياة أكبر من الأربعة الجدران التى تعيش بينهم،بحاجة لمن يقدم لها ثقافة الحياة قبل ثقافة الكتب، فكان ( ركن المرأة).

كان السؤال: كيف ستكون البداية؟ فكرت صفية أن تبدأ من النقطة الأهم فى حياة أىربة بيت (المطبخ)، ستكون هذة النقطة عربون صداقة يستدرج المرأة المصريةللإنصات لأمور أخري.

كانت صفية نموذجا للفشل في مادة التدبير المنزلى فى مدرسة السينية الثانوية، كانتتحكى بفخر عن الكوارث التى قدمتها فى مطبخ المدرسة، قررت أن تستعين ب (أستاذةالتدبير المنزلي) فى تقديم البرنامج معها، كان فشل صفية ماثلا فى ذهن أستاذتهافقالت لها: لا يمكن أنتى آخر واحدة ينفع اقدم معاها برنامج عن الأكل، قالت لهاصفية بالعكس ستعلميننى أنا و كل من يشبهني.

بعد سنوات كانت أستاذة التدبير المنزلى هى الأهم فى مجالها و لم يكن للبيوتالمصرية حديثا سوى وصفات (أبلة نظيرة).

(5)

كانت صفية المهندس تعتمد على الفن فى تقديم رسالتها، فقدمت فى برنامجها (إلىربات البيوت) مئات الحلقات التمثيلية التى تناقض أفكارا اجتماعية مهمة صنعتنجوما كبار.

لمسة الفن كانت أذكى طريقة استقرت بها رسالة صفية المهندس فى قلوب ربات البيوتفى مصر، جلعت الرسالة تصل بالوضوح لنفسه لزوجة الفلاح و زوجة المدير العام،أثار نجاحها غيرة كثيرين، كان موعد برنامجها ( التاسعة و الربع) يعنى حرمان الموظفةو الطبيية المدرسة من الإستماع، كان حجم الشكوى كبير و حقيقى ويصل إلىالإذذاعة دون تنسيق من كل مكان فى مصر، و لم تنتهى إلا بأن قدمت صفيةبرنامجا آخر يعالج هذة المشكلة، و اعتقدت أن المشكلة قد انتهت فهى تخاطب ربةالبيت و العاملات، لكن وصلت شكوى تقول أن صفية تخاطب كل سيدات مصر إلانوع واحد ( الجدة)، فأصبحت تقدم ثلاثة برامج دفعة واحدة ( إلى ربات البيوت، المراةالعاملة، الخير و البركة).

(6)

« وصلنى النهاردة رسالة من مستمعة عزيزة بتشتكى من إن ابنها مغرم بالأسئلة، ولايتوقف عنها أبدا، المشكلة إنها ساعات يبقى عندها إجابات و ساعات لأ فبتضطرتزعق له، و بتسأل أعمل ايه؟

#عمر _طاهر | يكتب : صفية المهندس.. سيدة التاسعة والربع صباحا

أحب اقولها حاجة مهمة ، الأم هى اللى لازم تجاوب على كل اسئلة اولادها وماتسمحش لحد غيرها يجاوب عنها، لو مش عارف تسأل الأب، و تسأله قدام الإبن علشان الإبن يحترم قيمة السؤال و المعرفة، آخر حاجة ممكن تعمليها إنك تزعقيله،علشان مايخبيش عنك بعد كدة أى سؤال أو استفسار ممكن يغير حياته، شغلتك تدورى معاه على الإجابة تتعلميها و تساعديه يتعلمها، لو لقالكى مش مهتمة هيدورعلى الإجابة عند غيرك و مانضمنش الإجابة عند غيرك هتكون إيه، ماتبقيش أنتى السبب إن الولد يدى ودانه لحد غريب» .

(7)

مر على مصر كل ما يهدد استقرار الأسرة، حرب، سلام، إنفتاح، غربة، انهيارللطبقة المتوسطة، عادات مستوردة ، كانت صفية المهندس  خلال  هذة الفترة موجودةفى كل بيت مصري تلهم ربته كيف يمكن الخروج بأهل البيت بسلام من كل هذاالإرتباك، ربما هى صدفة أن يكون صوت صفية المهندس موجود فى خلفية الفترة التىكانت الأسرة المصرية خلالها في  أفضل حالاتها، لكن أى صدفة تلك التى تستمرأكثر من ثلاثين عام؟

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى