أعمدة

عمر طاهر | يكتب: مصر بتبيع دهبها

عمر طاهر
عمر طاهر

لا توجد أم أو زوجة مصرية لم تُقْدِم على هذه الخطوة يوما ما، كان هذا يعنى دائما أن الأسرة على الحافة تماما ولم تعد تمتلك إلا أن تنظر بقلق إلى ذراعَى ست البيت بحثا عن أمل ما، وها هى مصر تفعلها اليوم وتبيع «دهبها»، قال أحد المصرفيين إن مصر قد تضطر إلى بيع جزء من مكون الذهب لدى البنك المركزى والبالغة قيمته السوقية نحو 4 مليارات دولار، بإجمالى 75 طنًا، مع استمرار النزيف المستمر للاحتياطى.

هذا لم يحدث فى أسوأ أحلامنا، الحقيقة لم أكن أعرف أن (مصر مدكّنة دهب أصلا.. لكننى لم أندهش لكونه عادة مصرية حريمى أصيلة)، لكن اندهشت من اضطرارها إلى خطوة تعنى فى عُرف كل أم مصرية أن العيلة خلاص بقى ضهرها فى الحيط.

مصر بتبيع دهبها، وأنا خلّصت فيك كل الكلام يا دكتور مرسى، وأرجوك يا صديقى عضو اللجنة الإلكترونية الإخوانية اركن لنا على جنب إذا كنت تريد أن تهلل لرئيسك وتقول «وهوّ يعنى كان قال لمصر بيعى دهبك»، فالرئيس فى وادٍ -يا ربى!- والدنيا فى واد، ولم أعد أعرف كم جثة لشاب غاضب تلزم الرئيس ليعود إلى وعيه، وكم محافظة خربانة تلزمه لينتبه إلى الأيام السوداء التى نعيشها، وكم رجل أعمال مفلس يكفيه ليعرف أنه «مودّى البلد فى داهية»؟، لم يعد الكلام له معنى ولا حتى عدم الكلام، ولا الجثث قادرة على أن تجعل الرئيس يستفيق ولا صراخ الأمهات يهزّ شعرة فى رأسه وإن كان يدّعى غير ذلك.

إذا كان الرئيس يتباهى بشرعية الصناديق والانتخابات، فهناك ألف استفتاء يسقط فيه كل يوم، لو خرج مبارك اليوم من السجن ومرّ بأى شارع سيجد من يهتف له بلا أدنى شك وإذا مرّ مرسى بصناديقه من الشارع نفسه سينهال عليه كثيرون بالبيض الفاسد، هذا استفتاء، الوقوف فى وجه المدرعات استفتاء، عصيان المحافظات الكبرى استفتاء، نجاح باسم يوسف استفتاء، تذمّر كل مرافق الدولة استفتاء، الطَّرق على باب قصره استفتاء، الشباب الذين لم يهتموا بالتمسك بتجربة الحياة قبل أن تبدأ استفتاء، ضياع هيبة الدولة وهيبة الرئاسة وهيبة الداخلية وهيبة القضاء استفتاء، سفر وزير الخارجية الأمريكى من بوابة نقل الجثث والبضائع استفتاء، عدم قدرة الرئيس على أن يزور مدينة غاضبة أو حتى على أن يصلى الجمعة بسلام استفتاء، محاصرة بيته فى الزقازيق استفتاء، انسلاخ السلفيين من تحت عباءته استفتاء، إغلاق المصانع ووقف الحال والهجرة الجماعية والاكتئاب الجماعى وبيع حتتين الدهب اللى حيلة مصر استفتاء، عمل توكيلات للجيش والاستنجاد به استفتاء.

الرئيس يبحث عن حلول ولكنها ليست حلولا عادلة تمتص القلق، ويقدم ما يثبت سلامة نياته لكن فى حدود الأهل والعشيرة وحلفائهم، وهو رئيس لكل المصريين، ماشى، لكن بدأنا نشعر بشكّ إذا كان من المصريين أصلا حيث بتنا نشعر بغربة فى ظل هذا النظام، فهو لا يشبهنا أبدا لا فى الأحلام ولا فى طريقة الكلام، والحقيقة لقد سئمنا النقد والغضب واقتراح الحلول، لكن أعتقد أننا لن نتوقف يوما، وأعتقد أنه إذا ظل الحال هكذا واستمر الرئيس فى الحكم بهذه الطريقة فلن ينعم هو أو جماعته بحكم مصر لدقيقة واحدة، وابقوا ناموا حاضنين الصناديق خليها تنفعكم.

بقلم | عمر طاهر

المصدر

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى