أعمدةمقالات

فهمي هويدي | يكتب : ما يصحش كده

011 - فهمي هويدي
توجه القائم بأعمال رئيس جهاز المحاسبات إلى مكتبه فى الثانية والنصف صباحا، بعد مضى ثلاث ساعات على إقالة سلفه المستشار هشام جنينة. بعد وصوله وجه بتشكيل لجنة ضمت بعض أعضاء الجهاز للقيام بعدة مهام. على رأسها جرد المكتب الخاص للمستشاtttر جنينة والسكرتارية والمكتب الفنى ومديرى المكتب. أعضاء اللجنة المذكورة جرى استدعاؤهم هاتفيا وأبلغوا بالمهام الموكولة إليهم، بحيث وصلوا إلى مقر الجهاز قبل الساعة الثامنة صباحا، وفى حين كانوا يؤدون المهام التى كلفوا بها فإن المستشار هشام بدوى القائم بالأعمال عقد اجتماعا مع وكلاء الجهاز لترتيب السيطرة على الموقف فى الوقت ذاته، أصدر تعليماته بمنع دخول هيئة مكتب المستشار جنينة إلى مكاتبهم. أفراد الأمن نفذوا التعليمات بإغلاق الطابق الأول من مبنى الجهاز الذى يضم مكتب جنينة والمكاتب الأخرى الملحقة به. طُلِب من الموظفين الذين فوجئوا بالغارة أن يجلسوا فى قاعة بعيدة عن مكاتبهم أثناء عملية التفتيش. كان عددهم ٢٠ موظفا بالمكتب الفنى و١٥ بالمكتب الإدارى. خلال عدة ساعات كان أعضاء لجنة الجرد قد أنهوا عملية التفتيش وتم التحفظ على جميع الأوراق والملفات الموجودة بالمكاتب.
ما سبق وصف شبه تفصيلى أوردته جريدة «المصرى اليوم» على صفحتها الأولى أمس (٣٠/٣)لما حدث فى مقر الجهاز المركزى للمحاسبات عقب إعلان قرار إقالة المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز. وأثار انتباهى أن التقرير المنشور اشترك فى كتابته ثلاثة من محررى الجريدة، إلا أن جريدة «الشروق» نشرت نفيا لواقعة «احتجاز» ٥٠ موظفا من «الموالين لجنينة»، جاء على لسان القائم بأعمال رئيس الجهاز، وهو ما قد لا يتعارض مع ما نشرته المصرى اليوم لأنها لم تتحدث عن «احتجاز» موظفى مكتب المستشار جنينة وإنما أشارت إلى منعهم من دخول مكاتبهم والإبقاء عليهم فى قاعة بعيدة عنها، حتى انتهاء عملية الجرد والتحفظ على ما فيها من أوراق.
أيا كان الأمر، فإن رواية «المصرى اليوم» إذا صحت فإنها تقدم لنا مشهدا بوليسيا يعيد إلى أذهاننا ما تنشره الصحف عن حملات اقتحام البؤر الإرهابية بحيث لا ينقص الرواية سوى أسطر قليلة تتحدث عن «تصفية» المستشار جنينة فى تبادل لإطلاق النار مع المجموعة التى كلفت بتحرير جهاز المحاسبات من مكمنه الذى تحصن فيه.
فى الظروف العادية يغادر رئيس أهم جهاز لمكافحة الفساد موقعه محاطا بما يستحقه من تقدير، ويستقبل خَلَفه فى مكتبه لكى يسلمه «الأمانة» وينقل إليه عصارة خبرته فى موقعه. وأحيانا يقام له حفل تكريم على ما بذله من جهد. أما هذا الذى حدث فهو لا يمثل إهانة للرجل فقط لكنه إهانة للمنصب الرفيع وللدولة التى لابد أن تختلف فى معاملاتها وتقاليدها عن سلوك الميليشيا أو العصابة.
تشويه الرجل فى وسائل الإعلام مشهد آخر لا يليق خصوصا إذا اقترن بحرمانه من الدفاع عن نفسه أو تبيان وجهة نظره فيما نسب إليه، لا أتحدث هنا عن المروءة أو الشهامة أو حتى أبسط قواعد العدالة فى دولة القانون. وإنما أتحدث عن المسئولية الأخلاقية من ناحية وعن احترام مؤسسات الدولة والحفاظ على هيبتها من ناحية ثانية. لقد طعن فى بيانات الفساد التى أعلنها الرجل ولم يسمح له بأن يتلقى نص التقرير الذى انتقده ولم يسمح له بأن يرد على الادعاءات التى نقلتها منه وسائل الإعلام وفى حين لم يسمح له بشرح وجهة نظره أمام مجلس النواب، فإن النائب العام أصدر قرارا بحظر النشر فى الموضوع. وكأن المسموح به هو التشهير بالرجل فقط والنيل منه لمجرد أنه امتلك شجاعة فضح الفساد فى كل مصادره التى توصل إليها جهازه. فى هذا السياق خصصت صحيفة «الوطن» أمس صفحتين لهجاء المستشار جنينة والحديث عن «خطاياه» والمعارك التى خاضها، التى كان منها الإساءة لمؤسسات الدولة وإضعاف هيبتها وتسريب معلومات سرية لقناة الجزيرة…إلخ. إلى غير ذلك من الإدعاءات التى تؤدى مهمة تصفية الرجل واغتياله سياسيا وأدبيا، وحين يستباح على ذلك النحو ثم يحرم من الدفاع عن نفسه فإن هيبة الدولة وقيمة العدالة فيها هى التى تلحقها الإهانة وليس الرجل وحده.
«الأهرام» شاركت فى الحملة بصورة محزنة، حين نسبت إلى بعض السياسيين قولهم إن مهمة الأجهزة الرقابية تقتصر على تقديم تقارير مكافحة الفساد للجهات المعنية وليس للإعلام. وهو العنوان الذى أبرزته الصحيفة على صفحتها الأولى أمس، وذلك غمز غير مباشر فى المستشار جنينة الذى تحدث إلى وسائل الإعلام وخاطب الرأى العام بخصوص وقائع الفساد، قبل انتخاب مجلس النواب. وهذه الدعوة التى أبرزتها الأهرام لا تختلف كثيرا عن فكرة «المناصحة» التى طرحت فى بعض الدول المجاورة واستهدفت تكميم الأفواه ومطالبة أصحاب الآراء المغايرة إلى مخاطبة السلطات وحدها وتوجيه النصح لها، والكف عن الجهر بتلك الآراء وإطلاع الرأى العام عليها. كما أن الجريدة تجاهلت أن دستور ٢٠١٢ كان قد نص فى المادة ٢٠١ منه على «وجوب» نشر تقارير الهيئات المستقلة على الرأى العام، احتراما لحقه فى المعرفة والمشاركة. فى حين أن ما دعت إليه الأهرام يمثل ازدراء بالرأى العام واستعلاء عليه. عند الحد الأدنى فإن ما سبق يسوغ لنا أن نردد بصوت عال قول من قال «مايصحش كده»!
 المصدر

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى