مقالات القراء

قصة قصيرة|محمد فتحى الجابرى|لادين لكم ولا اله

6614الظلام يُسيطر علي القرية كلها والطرق موحلة جدا بسبب المطر الغزير الذي كان بالأمس .
تبدأ المشاعل في الظهور والرهطُ يسيرُ حاملا النعش مُتجهاًَ نحو المقابر .
أكتاف حاملي النعش تنزفُ دماً أسود لزج بينما العيونُ تذرف دمعهاً أكثر سواداً وأقلُ لزوجة. البرق يشقُ صفحة الظلام بعروقهِ المُثيرةُ للرهبة والبرودة قاسية لدرجة لا يتحملها بشر ورغم ذلك لا أحد يشعر بأي ارتجافات فالحدثُ أجلُّ من أن تشعر وسطهُ بالبرد أو الحر أو اي شعور غير المرارة فقد ماتت الكهلُ العجوزُ يسير متقدما الرهط المُشيّع ، تتمتم شفتاه بتسابيح وترانيم خاصة ممسكاً بيدة مسبحة طويلة بها تسع وتسعون مظروف رصاصة . يحث أحد حاملي المشاعل الخطي حتي يواكب الكهل ويسأله _ هل ماتت حقاً؟ لم اُصدق أن يأتي يومٌ وتموت هذى المرأة لا يُكلف الكهل نفسهُ عناء النظر إليه وتظل أصابعه مع مظاريف الرصاص في حالة سباق ويعود يتذكر ما حدث. كانوا يظنونها إلاهة لا تشيخ أبدا ولا تموت إذ بلغت من العمر سبعة ألاف سنة ومازالت في ريعان الصبا كانت تمرض كثيرا لكنها أبداً لا تموت ، لا يدري القوم ماذا حدث ، شاخت فجأة ولأول مرة في عُمرها قررت أن تغفو قليلا وعندما أخذتها سِنةٌ من النوم توالي عليها أولادها الثلاثة يغتصبونها يهزهُ السائل مرة أخري يخرجة من انبوب ذكرياته الضيق قائلا _ أقسمتُ عليك بالرصاص الحي إلاهنا أن تُخبرني كيف شاخت فجأة وكيف ماتت ؟ تتسابق اصابع الكهل في مسبحته ويعلوة صوته بالتمتمات ولكنها ايضا غير مفهومة ويعود يتذكر بعدما أفرغ الأولاد الثلاثة نجاستهم داخل أمهم جلسوا مُجهدين ينظرون إليها ثم قام الأول بإخراج سكين صغير وبدأ تقطيع وجهها وصدرها بينما أشعل الثاني النيران في قدميها وظلت فكرة معاودة إغتصابها تدور برأس الثالث إذ كان يتمني أن يراها في حالة الأوراجازم لم تكن النيران المشتعلة بقدميها تثنيه عمّ يود فعله وتحقيق رغبته ولا كونها أمه فقد تعلّم دوما أن رغباته ومصلحتهُ في المقام الأول ، الشئ الوحيد الذي منعهُ هو كسر باب الغرفة ودخول أهل القرية متقدهم الكهل العجوز فيرا ثلثها العلوي قد صار أحمرا وثلثها السُفلي اسوداً متفحّم بينما وسطها لا يزال محتفظاً ببياض بشرتها فيصرخ قائلاً _ أستغفرُ الرصاص الحي ماذا فعلتم بها؟ لقد قتلتموها الإبن الثالث _ إليس القتلُ هو كتابنا المُقدس ؟ ماذا فعلنا؟ الكهلُ باكيا _ القتل بغير الرصاص حرامٌ يا ولدي .. ألا لعنةُ الرصاص عليكم يدوي الرعدُ في الأفق ، يفيق الكهل من تذكر ما حدث بينما السير صعبٌ جدا في هذا الطين وأخيراَ يصلون إلي القبر علي القبر إمرأة عارية ترقص يصيحُ بها الكهل _ إبتعدي من هُنا تمتصُ العارية إصبعها في إثارة قائلةَ _ إني أنتظركم هنا منذُ أمدٍ بعيد وتوقعتُ بهذي النهاية منذُ عبدتم الرصاص وعبدتم شهواتكم وتعددت آلاهتكم يصيح الكهل بصوتٍ مبحوح _ اصمتي يا إمرأة الرصاص الحي إلاهنا الأوحد العارية _ وماذا عبدتم قبل الرصاص ؟ الكهلُ حائرا _ لقد ولدنا فوجدنا آباؤنا يعبدون الرصاص تقهقه العارية مبتعدة قائلة _ لا دين لكم ولا إله .. لا دين لكم ولا إله يفتح الكهلُ النعش علي اضواء المشاعل ويتناول الجسد متمتاً _ بسم الرصاص الحي المُميت يُسمع صوت رضيع يصرخ داخل الكفن فيمزقون الكفن بسرعه فإذا بجنينٍ قد خرج لتوهِ من رحم أمه يتصايح البعضُ قائلين _ حقاً إنها ولادة ، لقد ولدت وهي ميته ، طفلٌ إبن أخيهِ ياللمعجزة ويقعون للطفل الوليد ساجدين ( هذا إلاهنا … هذا إلاهنا ) يتخبطُ الرهطُ مستنكرين عبادة أحد غير الرصاص يهرول البعض نحو الميته خارج كفنها ويقعون عليها زانيين ويقولون _ هلموا هلموا إنها ولادة ستلد وهي ميته لنصنع لنا إلاهاَ سئمنا عبادة الرصاص لكن الميتة لا تحبل ولا تلد فيتركها الجميع وينصرفوا وهي علي حالها مُلقاه خارج القبر فتتحلل وتتعفن . تعود العارية للجثة المحترقة والمتعفنه قائلةً في اسف _ أنتِ تركتيهم يعبدون أنفسهم ويصنعنون مما يحبون آلاهة وهم لا دين لهم ولا إله تأخذ العارية الكفن تستر بهِ نفسها وترحل .

محمد فتحي الجابري

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى