أعمدة

محمد فتحى | يكتب : هل أنت سعيد بريهام سعيد؟

محمد فتحى

في تصرف منحط، لا هو بالمهني ولا هو بالأخلاقي، دخلت البنت التي تم التحرش بها على باب أحد المولات إلى الاستوديو للإدلاء بحوار إلى ريهام سعيد. سألت عن شاحن لهاتفها، فأخذه أحد مديري الإنتاج بعيدًا عنها، ثم قلب في الموبايل ليرى صورًا خاصة لها، قبل أن يهمس لريهام بما رآه ويصنع منه نسخة، وبدلاً من أن تنهره المذيعة التي (بتعمل خير) استخدمت الأمر للنيل من البنت، وفي ضرب مثل منحط للمهنة، بل وتهديدها على الهواء، وحين ثار كثيرون على ريهام، اضطرت قناة “النهار” إلى وقفها، وهو القرار الذي لاقى استحسانًا، بل وزاد الأمر تعهد القناة بمنتهى المسؤولية والشرف، باستكمال علاج الحالات الإنسانية الخاصة بالبرنامج، ومنعت القناة استضافة المذيعة الممثلة الشهيرة بردحها على الهواء لمن ينتقدها في برنامج التوك شو الرئيسي لديها قبل ساعات من الحلقة، وظن البعض أن الأمر سيستمر، ثم ………

ثم مر شهر، فأعلنت القناة عن عودة البرنامج لدوره الوطني والإنساني!!
…………..
كيف يدار الإعلام في مصر؟
هذا السؤال يمكن اعتباره مدخلاً مهمًّا للحدوتة بأكملها، ويمكن إجابته بجملة واحدة: المصلحة والمواءمات.
القناة من مصلحتها تقديم برنامج لأنه يجلب لها إعلانات، ويضع لها نقاطًا تمكنها من اعتلاء المنافسة في تقارير القنوات والبرامج الأكثر مشاهدة. ليس مهمًّا أن تكون القناة نفسها تهاجم الشركة صاحبة أبحاث المشاهدة، لكنها تعتمد على النتائج التي تقول، في آخر نتيجة قبل إيقاف البرنامج أن المركز الثاني في البرامج الأكثر مشاهدة في مصر كان لبرنامج ريهام سعيد (في نفس التقرير احتل الإبراشي المركز الأول وأحمد موسى المركز الثالث بالمناسبة)
المواءمات فقط، التي تعتمد بدورها على المصلحة، هي التي تجعل قناة توقف البرنامج.
مواءمات الرأي العام والضغط الجماهيري (لاحظ أن الجماهير هنا غير السوشيال ميديا)، أو مواءمات السياسة (في الغالب لا يكون توجيهًا بقدر ما هو عتاب على منوال: هو ينفع يحصل كذا وكذا، مع التأكيد على: إحنا مابنتدخلش بس البلد مش محتاجة الكلام ده دلوقت).
في حالة ريهام، التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، كانت المصلحة والمواءمة بأسلوب النادي الجماهيري في (تسقيع) بعض الصفقات وعدم الاستغناء عنها، فقط، لكي لا يستفيد منها منافسوه.
ريهام سترحل عن “النهار” بإعلاناتها، وتذهب لقناة أخرى بإعلاناتها، والمعلنون عبيد مصالحهم بالمناسبة، والريسيرش مثل قطنة مدام نظيفة: مابيكدبش.
إذن؟
(سقع) ريهام شوية إلى أن تهدأ الأمور.
………….
في مركز شباب الشرابية، (حي شعبي شهير في مصر أفخر بالانتماء إليه)، أقف في ندوة عن الإعلام. أسأل الحاضرات: من تصدقون من الإعلاميين؟
يردون في (نفس واحد): ريهام سعيد!!
(حدث بالفعل).
…………
(السي يا محمد.. السييييييي)!!
أتطلع للرجل النافذ بدهشة متأملاً في إجابته على سؤالي: انتو بتعتمدوا على الأشكال دي ليه وإزاي؟
لدى الرجل نظرية تشبه نظرية المعلنين..
فالشريحة الأكبر من الناس في مصر هي شريحة (C) وما دونها..
تبدو الـ(A) شريحة محدودة، وهي تمثل النخبة أو الصفوة، والمستويات المادية المرتفعة، ولها شرائح بالموجب أو السالب لكنها تظل في النهاية A، بينما تمثل الـ(B) شرائح الطبقة المتوسطة التي هي في الغالب متعلمة، وتميل لشريحة طلبة الجامعة والموظفين، ولها أيضًا شرائحها بالموجب أو السالب،
أما الـ(C) فهي الشريحة الأكثر رواجًا ونفوذًا وتحكمًا. ملح الأرض في مصر. الناس القادرون على إنجاح أي مشروع سياسي أو إعلامي أو إفشاله مهما كان. هؤلاء في الإعلام جمهور مستهدف يسهل السيطرة عليه، لكن احتياجاته من الإعلام تتلخص فيما يرضيه لا فيما يجب أن يقدم إليه.
الـ(C) هي الشريحة الأكبر التي تشاهد ريهام سعيد وتتأثر بها، وليس السوشيال ميديا التي يمكن أن تضغط على المحطة، لكن ضغطها مرهون بحسابات التوقيت والظروف، أما جماهير الـ(C) فهم وحدهم أصحاب القرار النهائي.
لذلك قال لي الرجل النافذ إن بعض الوجوه المكروهة مهنيًّا في الإعلام هم الأنسب في نقل الرسائل لأنهم (واصلين للسي). كما أن إعلاميي الـ(A) ليس لهم مكان في إعلامنا، ونسبة مشاهديهم تكاد تكون محدودة، وبالتالي فقوتهم من اندماجهم وتقديمهم لأعمال تناسب شريحتي الـ(B) والـ(C) يحفظ ذوي النفوذ في هذا البلد ود وجميل إعلاميي الـ(C) الذين ساندوهم بقوة أيام (يسقط يسقط حكم العسكر) فحشدوا الناس من أجلهم، وبالتالي لم تسقط مصر (يقول الرجل).
هم يعرفون مشكلاتهم و(بلاويهم)، ويعرفون أنهم واجهة سيئة، لكنهم يخدمونهم في أوقات الأزمات، وقت نحتاج إلى الـ(C) لينقذوا هذا البلد، أو يقفوا بجوار قيادته أيًّا كانت.
الـ(C) هم من تنطبق عليهم نظرية (الطلقة السحرية) في الإعلام، وأغلبهم جمهور سلبي يصدق الرسالة الإعلامية بمجرد (الزن) و (الإلحاح) حتى لو لم يكن مقتنعًا.
الـ(C) هم الذين يخاطب الإعلام غرائزهم، وهستيريتهم المفرطة، ويسوق لهم المصطلحات بدءًا من الجيل الرابع، ومرورًا بتخوين الناس، وصولاً إلى صكوك الوطنية وتنميط الصور الذهنية ليصبح فلان عميلاً، لأن الأستاذ علان شتمه في برنامجه، وترتان خائن وأجندة، لأن الأستاذ أرنوب قال عليه ذلك في برنامجه، وهكذا انتشر الخبراء الاستراتيجيون (الكسر) وضيوف (الشلتة) وإعلام (المصطبة)، ولعبت الـ(C) أقوى أدوارها حين استطاعت استقطاب بعض المنتمين لـ(A) و(B)، نظرًا للظروف والأزمات المتتابعة، وخوفًا من العديد من الفزاعات، لتصبح النتيجة أن كل ما يريده الـ(C) مجابًا وحاضرًا، فتبرز نجومية البذاءة، وتنقلب المعايير، وتتوه المبادئ، ونرى العديد من الأشكال (الضالة) في مجلس النواب القادم.
صاحب المحطة، مثل الرجل النافذ، يراهن على الـ(C) التي ستنقذه ولو بعد حين.
وريهام (أستاذة) في الـ(C)، أفلا تكبرون!!
………..
– إنتي لازم تحترمي نفسك الفترة الجاية دي وتبطلي الطيش اللي كنتي بتعمليه.
– حاضر يا أستاذ.
– مش عايزين تناكة وغرور.. إنتي بتقدمي برنامج يفيد الناس مش تتنططي بيه عليهم.
– حاضر يا أستاذ.
– الإعلام ده رسالة يا بنتي، فاوعي تدخلي في معارك شخصية، واتقي ربنا في اللي بتقدميه.
– حاضر يا أستاذ.
– مش عايزين مشاكل مع حد، ولا تردحي لحد، وبلاش حواجبك عشان بتستفزني أنا شخصيًّا.
– حاضر يا أستاذ.
– سيبك بقى من حدوتة الدور الوطني والكلام ده.. إحنا رجعناكي عشان الإعلانات.. شدي حيلك معانا.
– حاضر يا أستاذ.
– وبالنسبة للصور اللي قلبتيها من الموبايل، ماتبعتيهاش لحد تاني كفاية.. مصر كلها شافتها.
– حاضر يا أستاذ.
– وعايزك تزودي شوية من الحاجات الخيرية وتنزلي للناس أكتر في الشارع .. إنتي تقريبًا المذيعة الوحيدة اللي بتنزل بنفسها الشارع في تقاريرها.. خليكي كده قريبة من الناس.
– حاضر يا أستاذ.
– ومش عايز أشوف حوار ليكي في صحافة ولا مداخلات ولا أي حاجة.. إحنا بنتهزق بسببك.
– حاضر يا أستاذ.
– ماتطرديش ضيوف، ولا تهزقيهم، ولا تخلي حد يشحن موبايلاته عندنا، وماتستضيفيش ملحدين عشان تقوليلهم في الآخر يا كفرة، ولا تعايري سوريين بالأمن والأمان عندنا، ولا تتاجري بآلام الناس اللي بتتعالج، ولا تردي على شتيمتك اللي ع السوشيال ميديا.
– حاضر يا أستاذ.

(مقطع من حوار متخيَّل مع مذيعة تائبة).
……………
“وحشتوني جدًّا جدًّا.. وفيه حاجات كتير انتو عارفينها أكتر مني، بس الحمد لله.. الحق ظهر، وآديني معاكم، ومكملة رغم الناس اللي عايزة تطفي الشمس، الناس اللي بتتكلم بهمس، الناس اللي عايزة تحسسنا باليأس، وهييجي يوم واحكيلكم على حاجات ربنا وحده اللي عالم بيها، بس عشان تعرفوا مين معاكم ومين ضدكم، أما بالنسبة لأي حد هاجمني فباقول له: حسبي الله ونعم الوكيل، وباشكر كل الناس اللي وقفت معايا.. أنا فعلاً ماكنتش عارفة إني غالية أوي عندكم كده، مش زي الناس الرخيصة اللي ع السوشيال ميديا، وماكنتش عارفة إن بلدنا جميلة جدًّا كده، إلا لما شفت اللي بيحصل مع السوريين اللي دايرين ع البلدان لاجئين مش لاقيين حد يلمهم، ولا كنت متأكدة من محبتكم ليا إلا لما شفت ناس ملحدين وكفرة بيشتموني، وساعتها بس قلت الحمد لله.. لما يكون دول اللي بيشتموني يبقى أنا ماشية صح.. وعايزة أقول حاجة: أنا مايهمنيش خالص أي حاجة بتتكتب من حبة مرتزقة في الصحافة، أو حبة منفسنين من نجاحي، أو ناس عارفين إني ببيع فبيكتبوا عني أو يجيبوا سيرتي.. إنتو ولا حاجة.. إنتوووو ولاااا حاااااجة.. عارفين ليه؟ عشان البرنامج ده فاتح بيوت، وبيعالج ناس وانتو ولااااا حااااجة.. عشان نجاحنا بيحطكم في مأزق يا أعداء الوطن والإنسانية.. وانتو ولااا حاااااجة..
عمومًا أنا رجعتلكم يا جمهوري الحبيب المحترم، وباشكر الوزرا والشخصيات المحترمة اللي كلمتني، وفيه حد ماينفعش أقول هو مين مكالمته فرقت معايا جدًّا، وباقوله متشكرة أوي يا فندم.. ربنا معاك يا رب، وعمري ماهاسيبكم، واللي يطق يموت.. كبة كده.
(إنترو مقترح لأولى حلقات المذيعة التائبة بعد عودتها).
………..
في بنود خارطة المستقبل لدولة 3 يوليو، بند عن ميثاق الشرف الإعلامي، وهو استحقاق مثله مثل الدستور ومجلس النواب، فهل اقترب أحد منه؟
وهل أنت سعيد بريهام سعيد، وأخواتها؟
إذن فهنيئًا لك سيدي الأرشيدوق المواطن..
والله يخرب بيتنا إحنا يا شيخ!

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى