رأي

محمد فتحي الجابري | يكتب | عشرون عاماً مِن هُنا إلى هُناك

534659 340028546076701 965804539 n1

عشرون عاماً والطفولةُ داخلي مقهورةً
ما بين ألوان التزيّف والتصنّعِ والرياءْ.
عشرون عاماً والضبابُ هو الضباب
عشرون عاما والبكاءُ على البكاء.
عشرون عاماً والطريقُ علي الخطأ
ملّ الصراخُ من الصراخِ
فقبلتي ليستْ هناكَ وإنما نحو الوراء…
***********
العامُ السابعُ والعشرون آتى
يزرعُ شيباً في رأسي
ويؤطرُ وجهي بعويناتٍ بُنّيةْ.
يتسرّبُ للضلعِ الأعوجْ
يتفحّصُ أطلال الجدرانِ بخوفٍ
ويزفّ العمرَ لمرْثيّة.
أرْملُ يا قلبي المسجونُ بلا ذنبٍ
خلفَ القضبانِ الذهبيةْ.
الوجهُ يشيخُ على مضضٍ
والعقلُ يعاني الإرهاق ليالٍ
وبقايا الأحلامِ ضحيةْ.
الطفلُ الأخضرُ في جوفي
يرنو للعامِ السادسِ
مشتاقاً للبالِ الرائقِ والضحكاتِ الصبيانيةْ.
مَدرسةُ الثورةْ
قبلَ بناءِ الجزءِ الأعلى
بالصف الأولْ
الفصلُ الثاني عند يمين المدخلْ
بنتٌ حسناءْ
أعطتني قطعةَ حلوى
أتراها مازالت تذكرْ؟؟
الصُبحُ يدقُ الأبوابَ نشيطاً
تغسلُ أمي لي وجهي
تلبسني بنطالي وقميصي
وترشّ بصدري كل السكرْ.
تطعمني حناناً في لون الحقلِ المزروعِ بجانبنا
مات الحقلُ الآن بأيدي عمال التشيّدْ
ودعاةَ التجديدْ
في الظهر أعودُ سريعاً
أخرجُ دفتر إملائي وأقولُ بزهوٍ
قدْ نلتُ اليومَ أنا نجمةْ
تقضمني أمي من خدّي قضمة
الطفلُ الآن حزينٌ يا أمي يتمنى لو لمْ يكبرْ.
قرْصُ الشمسِ يُغادرُ قريتنا
والليلُ تثائب في كسلٍ
فنلمُّ فتاتَ اللهو ونعدو نحو المنزلْ.
( سعفانُ الكسلان وبعضٌ من قصةِ موسى)
أنهيتُ الواجبَ يا أمي
تتلمّسُ وجهي بأصابعَ قدْ شُغِلتْ بالمخملْ.
تتدلّى من عينيها أذيالُ الآمالِ علي عُمري
ستكون طبيباً يا ولدي
لكني يا أمي أهوى التمثيلُ على المسْرحْ
لا ندرِ الغيبَ حبيبي يهديكَ الرحمنُ إلى الأفضلْ.
********
أمامَ قبْري واقفٌ
مستوحشاً شكل الغروبِ المرّ في أحلامنا
أمام مرآتي غريباً عن ملامحي وعن شكلي
فهلْ نامت عيونُ الليلِ خوفاً من صدى أيامنا؟
ومن بقايا شِعْرنا؟ …. يا ربنا
أينَ الوجوه ؟ أين وجهي ؟ هل ْ هنا ؟
لا بل هنا ، هنا هناك ، فجوةٌ في المنتصفْ
والكل فيها غارقٌ
والخوفُ فيها مارقٌ
صمتاً لعلّي أهْتدي
يا غربتي ، إن الملامحَ التي
كانتْ لنا ليست لنا إذ أننا لسنا هنا .
هذا العزاءُ لي أنا ، هذا السوادُ
هذى القبورُ لي أنا ، هذا الحِدادُ
لا لمْ أمتْ لكنني وحدي هنا
أو أنني مثل الصدى
وكل أشعار سُدى .
زجاجُ مِرْآتي منافقٌ مخادعٌ
أضاعَ الوجهَ في لُئْمٍ مشوبٍ بالضبابِ.
يا لوعتي ، ملامحي باعت كياني غفلةً
فعشتُ وحدي كالجبالِ والهِضابِ.
الليلُ يا (نورا) مزيجٌ
من جنونِ العمرِ من أحزاننا
من الدموعِ الهامياتِ ، من لظى نسياننا
هل تُدْركين المرّ في شِعْري وأني كالغريبِ في الغيابِ؟.
إن اغتراب الروحِ عن أقرانها
نوعٌ من الذكرى التي تبكي رحيلاً قدْ خبى
تبكي حياةً لمْ تجدْ غير الضياعِ مهربا
النفسُ يا (نورا) عصيةٌ على العقلِ
موجُ المرارِ يسحقُ النوافذ الخضراء في عقلي
والسيلُ جاء جارفاً يدكُّ بابي..
أشعارنا نوعٌ من التقيؤِ الذهني في الورقْ
الشعر مثل الحب مثل الموتِ أو مثل الغرقْ
كل الكلام من هناك يبتدئ
من عِند جدران البدايةْ
أو قبلها قدْ يبتدئْ
أو يحْترقْ.
أنا هناكَ نائمٌ أمّا هنا مثل احتباس الضوءِ
في ايقونةٍ عمياء أو مثل الأرقْ.
يا ليلتي ، ضُنّي كثيراً وارحلي
لستُ الذي تبغينهُ
إني عجوزٌ في شبابي..
أبي أيا مَن قلتَ قبل الوقتِ أني في الصِغرْ
قدْ كنتُ أبغي مهرباً نحو الكمالِ سابحاً خلف القمرْ
نحو الحقيقةِ الحقيقيةْ
بحثتُ عن حقائق الأشياء كلها فذادت غربتي
إذ أنني
لمْ أهتدِ
هنا بقلبي عن حقيقتي أنا
لا لمْ تمتْ لكنها ليست هنا
لا يا أبي لمْ أكرهكْ كي تنحني أمام طيشي واضطرابي.
ميناءُ عمري اغرورقتْ عيناهُ بالسفنْ
والطفلةُ السمراء ماتت قبل ميلاد الزمنْ
يا ذا المطرْ
اهطلْ قليلاً في عيوني واطلق الدمعَ المُسجّى بالكفنْ
وازرع ثماري في قفار الصبرِ أو في مهجتي
لا ترتدِ شيئاً من الألوانِ ، كُنْ كالغيمةِ العذراءِ
ليلة الزفاف المنتظرْ
كن مثل قلبي في سفرْ
لا لمْ أمتْ لكنني أزيلُ عن وجهي نقابي ..
لستُ الذي يحيا هنا
لا لستهُ
لا ليسني
شيئٌ من الشيئ الغريبِ في ذهولي مسّني
أطعمتُ أفواهَ القبورِ ذكرياتي باغترابي.
بعد انتهاء المدرسةْ
كُنّا نسابق الظلال راكضين نحو أشجارِ التوتْ
كان النهارُ غافياً تحت الشجرْ
أين الشجرْ؟؟
لا لمْ يمتْ قصّوهُ كي يبقى حطبْ
والوحلُ لطّخَ المعاني في ثيابنا
وأمي تطعنُ الأفراحَ في غضب
والخوفُ فينا مُزحةٌ شقراء قصّت موتها من جِذعهِ
كي تبقى رمزاً للسهرْ
ويلي أنا من غُربتي ومن عذابي .
يا أيها الشيطانُ قلْ لي للذي فيّ حديثا خائفاً
يا واقفاً
بيني وبيني مَن أنا؟
قلْ لي ولي عني تراني هل أنا
ذاكَ الغريقُ في ملذاتِ الحياةِ بالمُنى؟
أمْ يا أنا
أنتَ الذي صلى قياما
زكّي وصاما
هلْ مِتُ دون أن أرى موتي؟
كل المواتِ بُعثِرتْ أحلامهم خلف احتمالات الحياة
أمّا أنا قد مِتُ قبل أن أرى وجه الحياة
القبرُ تحت البحر يخفي خوفهُ
والنورُ مثل الليلِ داكنٌ هنا
وأنتِ يا أصْل التغرّبِ الحزين في دمي
لا تحزني من ذبحِ قلبي عند أعتابِ التمرّدْ
إن كان في صراخكِ المجنون دمْعٌ فاعلمي
أني أنا
قبْرٌ وميّتْ
بحرٌ وغرْقى
حُلمٌ تمنّى أن يكونَ ومْضةً
بين النقيضينِ اللذيْن تعذّبا
على الأحلامِ تاها اغتراباً
بين ألوان الحياة من هنا إلى هناكْ..

بقلم \ محمد فتحي الجابري

مقالات القراء لا تعبر بالضرورة عن رأي الشرقيه توداي

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى