رأي

عبد الله إسماعيل | يكتب : حرب الزيت والسكر !

65062 10200144176146078 1210825595 n

في مصر بعد الثورة وبعد سقوط نظام حكومة رجال الأعمال والمتمثلة في الحزب الوطني , ظهرت العديد من الأحزاب التي تنتمي لتيارات مختلفة , وفي المجمل  جميعها يتبنّى أفكارا وشعارات مثل : الحرية , الديموقراطية , الوطنية , الحقوق المكفولة , الكرامة الإنسانية …الخ . وكل هذه الشعارات لن يحققها أبداً أي فصيل أو حزب سياسي إلا في ظل مناخ أمني سائد و انتعاش اقتصادي ينتج عن تفعيل كل مجال يدر مكسب على البلاد , من سياحة و جذب استثمار ودفع لعجلة التنمية بكل مقوماتها البشرية وثرواتها المتاحة . هذه القاعدة الأساسية التي تُمكّن أي بلاد من الخروج من أي أزمة تمر بها .

 
ولقد قرأنا كثيراً عن نماذج من الجهاد بالمال بالإنفاق في سبيل قضية يدافع عنها الإنسان , ونتذكر كيف أن سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- جهّز جيشاً بكامله في غزوة العسرة , وكل ما أنفقه كان في سبيل الله ومن أجل رفع كلمة التوحيد . ولكننا نرى الآن جهاداً جديداً وسبيلاً جديدة في حرب اقتصادية داخلية يرفع رايتها رجال الأعمال الذين شكّلوا حكومات سابقة حينما كان الحزب الوطني مهيمناً على الساحة السياسية .

لمن لا يزال غير مُدرك حقيقة ما يدور في مصر , وما يزال يقتنع بأن ما تقدمه قنوات الفلول الإعلامية على التلفزيون والانترنت هي أخبار وتقارير صادقة وثابتة وموضوعية عن حالة البلاد المتردّية أمنيا واقتصاديا ! تريد الحقيقة ؟ نعم حالة البلاد يُرثى لها , وحروب السياسة في الداخل كلّفتها ما يماثل حرباً عسكرية خارجية تخوضها . ولكن هذه القنوات والوسائل التي تُعبّر عن أيديولوجيات أصحاب النفوذ ورجال الأعمال في الحكومات البائدة في عصر الحزب الوطني تُخفي الأسباب الحقيقة التي لا يمكن أن يُعلن عنها مالكي القنوات والوسائل الإعلامية ؛ لأنهم طرف أساسي في المعركة القائمة , وهذه المعركة أخذت جانباً اقتصادياً الآن .

إن انخفاض قيمة الجنيه المصري بعد إقرار الدستور ؛ كان نتيجة اتجاه المتضررين وحلفائهم من مادة العزل السياسي إلى شن حرب اقتصادية جديدة على النظام الحالي وفي توقيت واحد . قاموا بسحب أرصدتهم الأجنبية أو تحويلها إلى العملة الأجنبية ثم سحبها , وقاموا بإثارة أخبار على أكثر من وسيلة إعلامية من وسائلهم المتنشرة بأن ترتيب مصر الإئتماني في تراجع ! ونتيجة الإقبال على العملة الأجنبية بشكل غير مُبرر , أدى ذلك لانخفاض سعر الجنيه أمام الدولار , وأدى أيضاً لزيادة أسعار أغلب السلع المتداولة داخل مصر لأنها للأسف مستوردة .

 

ختاماً , رسالتان هامتان للقائمين على السلطة الآن من أصحاب التوجه السياسي الإسلامي , ورسالة إلى كل معارض شريف يرجّح لغة العقل والحوار عن غيرهما .
فإلى النظام الحاكم الحالي أقول :

1-     إن كان إخواننا العرب قاموا بمد يد العون في مثل هذا التوقيت العصيب فنشكر لهم مسعاهم , ولا ننساه أبداً , ولكننا نرفض أن نعيش عالة على غيرنا لأسباب كثيرة منها أننا كنا وما زلنا شعبا رائدا في مجالات عديدة , ولا نرضى إلا أن نأكل من عمل أيدينا والحفاظ على كرامتنا واستقلالنا .

2-    الحكومة المصرية إن لم تنجح في توفير كل ما يحتاجه الشعب ولم تُخفّف العبء عن كاهل المواطن المصري , فهي ليست على قدر المسؤولية . ولو أن المال الفاسد في البلاد الذي يتحكم في الأزمات الاقتصادية نتيجة خلافات أكيدة و موجودة على الساحة السياسية تسبب في نقص وحاجة , فيجب على الحكومة سد هذا النقص وهذه الحاجة . والتعددية مهما أفرزت من صراعات أو أخذت من منحنيات أخرى في التنافس الغير شريف , فالشعب دائماً هو الذي يقول كلمته في الفصل بين المتنافسين ؛ كما حدث في مرحلة مجلس الشعب –رغم حلّه وإلغاءه- , ثم مقعد الرئاسة , ثم إقرار الدستور . وعلى حكومة الحزب الحاكم (الحرية والعدالة وحلفاءها) أن تجد الطرق والحلول التي تدفع بها عجلة التنمية إلى الأمام وإلا ستسقط في عين الناخب المصري الذي اختار أن يعطي لها الفرصة بعد إقرار الدستور , مع بقاء فرصة أخيرة متاحة متمثلة في إنتخابات مجلس الشعب القادم , وهي بالنسبة لكثيرين ربما تكون آخر الفرص الممنوحة قبل سحب الثقة وسقوط المصداقية .

أخيراً , أذكّر كل شريف و مُرجّح للعقل والحجة من المعارضين للاتجاه السياسي الحاكم حاليا بأن له كل الحرية في معارضته , إلا أن عليه حق وواجب وطني , وهو أن يجعل نقده بنّاءاً من حيث إيجاد البديل لما  يرى عدم مناسبته , و كذلك التزامه بالاحتجاج والعمل السلمي والمشاركة بفاعلية في آليات الديموقراطية التي تَراضى وتَعارف عليها شعب مصر بكل طوائفه من خلال الصندوق , ولكي يصل إلى ذلك الصندوق فعيله التواصل والتفاعل مع أفراد المجتمع  . وهذا التواصل و التفاعل الاجتماعي  يكون من خلال العمل و المشاركة , ولا يعني أبداً كما قد يبدو في أذهان البعض أنه الزيت والسكر ! -ولو أنها تأخذ أكثر من جانب إنساني ولكنها ليست مقصورة على ذلك –  فمن غير المعقول ان كل الخطط والبرامج التي يقوم الحزب ويسعى لتنفيذها تبقى مكانها في أدراج المكاتب أو محفوظة على الأقراص الصلبة داخل مقرات الحزب وتنتظر أن يتعرّف عليها الناس بأنفسهم !  فلكي يتأكد في يوم من الأيام أن طريق الحكم ممهد أمامه وأمام غيره كلاً على حدة  عليه أن يمارس العمل التطوعي الخدمي والإجتماعي في الشارع المصري الذي يبدو في حاجة ماسة إلى كل هذه الممارسات المشروعة , والتي تمثّل بالنسبة إلى المثقفين عينات وتجارب ملموسة يمكنهم ان يساهموا فيها ويصبح لهم انتماء للحزب ومرجع سياسي واجتماعي أيضاً  , ويحقق الحزب بذلك مكاسب عديدة ويجد قاعدة جماهيرية له في الشارع المصري  . إن لم تأخذ المعارضة ذلك في حسبانها فسنبقى بلاداً لها ربٌ واحد , ويجري في أرضها نيل واحد , و يحكمها نظامٌ واحد , لا رقيب ولا بديل ولا غنى عنه .

بقلم \ عبد الله اسماعيل

مقالات القراء لا تعبر بالضرورة عن رأي الشرقيه توداي

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى