أعمدة

مصطفى النجار| يكتب : لو بطلنا نأفور.. هنبقى كويسين!

الدكتور-مصطفى-النجار
سألت نفسي كثيرا لماذا نعاني كمصريين من داء المبالغة وبلغة الشباب الدارجة (الأفورة)؟ نحن نبالغ في كل شيء، من أول تعبيرنا عن إحساسنا بالبرودة وانخفاض درجات الحرارة في الطقس اليومي مرورا بأحزاننا ومشاكلنا النفسية ووصولا للقضايا الكبرى والأحداث الجارية وآخرها أزمة ذبح المصريين في ليبيا ثم الضربة الجوية التي أعقبت جريمة الذبح.

كل شيء حولنا ينطق بالأفورة وإذا بحثنا بداخل أنفسنا وفي صفحاتنا وكتاباتنا فسنجد أننا بالفعل في لحظات ما قد وقعنا في نفس المرض دون أن ندري، قبل عامين دشن الصديق وائل غنيم حملة إلكترونية ساخرة بعنوان (الحملة الشعبية لمكافحة الأفورة) وكتب فيها:

«هو إحنا ليه كتير من الأحيان بنأفْوَر (أفْوَرَ يُأفْورُ أفْوَرَة فهو Over) في ردود أفعالنا؟ بنأفْور في تعاملنا مع البشر.. بنتعامل مع الناس بمنطق: هو ملاك يسير على قدمين (لو بنحبه) أو شيطان يتطاير الشرر من عينيه (لو بنكرهه)، بنأفْور في تقييمنا لأي شخصية سياسية: القائد- القدوة- البطل الملهم- المنقذ- المعلم (لو بنؤيده).. العميل- الخائن- الفاسد- المفسد (لو بنعارضه)، بنأفْور في أعداد الناس اللي بتنزل تشارك في أي مظاهرة: مئات الآلاف- الملايين- الشعب المصري قال كلمته (لو مؤيد للمظاهرة).. العشرات- المئات- قلة مندسة لا تعبر بأي حال عن الشعب المصري (لو معارض ليها).

بنأفْور في تقييمنا لكتير من الأحداث المؤلمة اللي بتحصل في المجتمع كنتيجة للجهل والإهمال والتقصير فالمتهم في الغالب مش بيبقى الجاني الحقيقي، المتهم دائما بيبقى طرف ثالث تكشفه خيوط المؤامرة الداخلية والخارجية التي يقودها سكان كوكب عطارد الذين لا يريدون استقرارا للمحروسة (لو انت مؤيد للسلطة)، أو المتهم هو السلطة التي قامت بهذه الخطة الجهنمية للفت الأنظار بعيدا عن كارثة أخرى يقومون بها (لو انت معارض للسلطة).

بنأفْور في تقييمنا لكتير من الإنجازات الإيجابية اللي بتحصل في المجتمع: انتصار تاريخي- لحظة حاسمة- أبهرنا العالم- أفضل دستور عرفه التاريخ الحديث (لو مؤيد لمن قاموا بهذه الانجازات)، اشتغالة- أكيد هيطلعوا من وراها مصلحة- وإيه يعني؟- ده بيلمعوا نفسهم- ده كذب- الموضوع ده فيه إنّ (لو انت معارض لمن قاموا بهذه الإنجازات).

بنأفْور في توصيف الوضع الاقتصادي بعيدا عن التحليل الموضوعي المعتمد على الأرقام.. المليارات تتدفق- مصر لن تركع- الوضع الاقتصادي أكثر من ممتاز (لو إنت مؤيد للسلطة).. مصر على أعتاب كارثة إفلاس اقتصادي- إحنا منهارين (لو انت معارض للسلطة).

بنأفْور في تصديق ونشر الشائعات اللي بتشوه أشخاص وكيانات دون بحث عن دليل لها (لو احنا معارضين لمن يتم تشويهه).. في نفس الوقت اللي بنأفْور فيه في تكذيب الأخبار الموثقة اللي بتظهر سلوك مشين أو جريمة أخلاقية (لو احنا مؤيدين لمن يتحدث عنه الخبر).

والسؤال:
ما هو السبب وراء هذه الظاهرة؟ هل مثلا هناك ما نتعلمه في المدارس والجامعات يؤدي لتفاقم هذه الظاهرة؟
متى يصبح تقييمنا للأمور بحجمها بعيدا عن الأفورة؟
كيف نُنمّي لدينا جميعا ثقافة البحث عن المعلومات لا التخمينات.. والتحليل الموضوعي لهذه المعلومات الموثقة للوصول إلى القناعات الصحيحة؟».

انتهى كلام وائل ويبقى السؤال متى نتعلم الموضوعية والاتزان في الحكم على الأمور استنادا إلى معلومات صحيحة وبعيدا عن الهوى السياسي أو الهوى الشخصي، الحقيقة أن الأفورة لا تقود للنجاح بل تقودنا للفشل بامتياز سواء في حياتنا الشخصية وعلاقاتنا الإنسانية أو حياتنا المهنية وحياتنا العامة كذلك.

مصر تحتاج كدولة ونظام للتحلي بالموضوعية والاتزان وعدم ترك المجال لإعلام الخبل والمبالغة في إفساد كل شيء بحمقه وأفورته، ونحن كأفراد علينا أن نبدأ بأنفسنا قبل أن نشتكي فسلوك الأفراد يصنع سلوك المجموع.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى