مقالات القراء

مقالات القراء | محمد فتحي الجابري يكتب: يا لقسوتكم

مضى وقت طويل لم اكتب فيه شيئا  ولا أدري لماذا  أردتُ اكتب عن تجنيس الفلسطينين ولم أكتب أيضا أحداث امبابة وحرق الكنيسة  لم اكتب بهذا الأمر لأنني مللت الكتابة عما يسمي الفتنة الطائفية  إلى أن حدثت تلك الحادثة  جريمة قتل وقعت هنا في ابوحماد وخاصةً في قرية القطاوية التابعه لمركز ابوحماد  ، لاأدري أعلمتم بها أم لا .

القتيل هو شاب صغير السن في الصف الثاني الثانوي الأزهري يساعد ابيه في الإنفاق علي الاسرة ويعمل سائق علي توك توك بجانب دراستهِ ، هذا الشاب صغير السن قتله عاطلان وسرقا التوك التوك الخاص به  ، طعناه 18 طعنه ثم ذبحاه كما تُذبح الشاه وألقياه جسدا مفصول الرأس في حقل قمح .

ماذا جنى هذا الشاب الصغير ليلاقي هذا المصير القاسي ؟ المصيبة التي تجعل الذهول يتمكن منك أن قاتليه هم اصدقاءه ، كانت صدمة قاسية للجميع وأمر يصعب تصديقه كيف بصديقين تقسي قلوبهما بهذة الطر يقه ويطعنا صديقهما

18 طعنه ثم يذبحانه  كل هذا لأجل توك توك لن يبيعاه بأكثر من خمسة الاف جنية .

إن أصحاب هذه القلوب القاسية هم أبعد الناس عن الله،كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي”.

يقول دكتور أحمد خالد توفيق في مقاله ( مزاج عالي جدا) (( فتش عن المخدرات فتش عن المزاج عن الدماع التي ينفق عليها المصريين كل هذة المبالغ كأنها دماغ انريكو فيرمي ذاتها )) فهذا هو سبب الجرائم  .

وحقا كلامة صحيح فالشقيان قد قتلا صديقهما ليبتاعا بثمن التوك توك مخدرات

ويقول في نفس المقال ( المخدرات قد غيرت وجه مصر وستغير مستقبلها بلا شك ) ..

نترك الحادثة بملابساتها بإشاعاتها  لنتحدث عن خلفيتها الوحشية  ، بالتأكيد هذان العاطلان متوحشان  وهذة الحوادث تتكرر كثيرا جدا خاصة سرقة التوك توك وقتل صاحبة  وهذا الأمر يضعنا أمام سؤال هام جدا وهو ( ماذا حدث للمصرين ؟) هذا السؤال الذي هو عنوان كتاب للدكتور جلال أمين  صدر الكتاب عام 1998 لكني حصلت علي نسخة من طبعته السادسة الصادرة عام 2008  الكتاب اسلوبة جميل جدا وطريقة دكتور جلال امين طريقة السهل الممتنع جذابة جدا  ولكن الكتاب صادم جدا يشرح تطور الشخصية المصرية منذ الخمسينات  وتفهم من الكلام العميق ان المجتمع المصري صار مجتمعا قاسيا  متوحشا  لدية اضطرابات كثيرة في ثقافته الفكرية ، الكتاب يمتلئ بأفكار ثاقبة عن المصريين  يمزج فيها دكتور جلال أمين  بين الإحصائيات  والتحليل العلمي والأفكار التحليلية  والأمثلة التي تعبر عن قلب المجتمع المصري ونبضاته.

كذلك يتحدث دكتور احمد خالد توفيق في كتابة ( الغث من القول )  عن ظاهرة االقسوة التي تفشت في مجتمعنا المصري فيقول (( الأخبار التي تصف قسوة المصريين علي بعضهم البعض  من خلال  الحوادث اليومية صارت ركنا ثابتا في الصحف المصرية  ، دعنا نضيف لهذا ظاهرة القسوة علي الحيوانات  وهي تنم عن ثقافة كاملة فالأطفال غير طبيعين إذا لم يربطو كلبا من عنقة ويجروه في الطريق  وكم من شخص يعبئ كلاب صغيرة في كيس ويلقي بهم في الترعه ، في هذا المناخ الغارق في التدين  لماذا ينسي الناس أنه ( في كل ذات كبد رطبة أجر) ..

ويكمل دكتور احمد خالد توفيق قائلا

( كنتُ في معبد الكرنك  ذات مرة ورأيت اتعس كلب رأيته في حياتي  ، كلب أجرب قذر جسدة مليئ  بالقروح والدمامل التي يسيل منها الدم ويسير يجر قدمة المكسورة  فكرت أن اريحه وأهوي علي رأسه بحجر ثقيل  ، هنا رأيت سائحة ألمانيه تقترب منه وتتحايل عليه حتي جلس قرب قدميها  وراحت تمسح علي رأسه وتقدم له لقيمات من كيس طعام تحمله .  هزني المشهد هؤلاء ليسو ملائكة وقد ظفروا بنصيبهم من ذبح البشر  ولكن حضارة تعامل كلبا أجربا بهذة الطريقة لهي حضارة تستحق أن تبلغ  ما بلغته ، اعرف ان في بلدي من هم اتعس حالا من هذا الكلب  ولكن هل هذا مبرر واضح لقسوتنا التي نورثها لأطفالنا ؟ ثم من قال اننا نقسو علي الحيوانات لإنشغالنا بالرفق بالبشر ؟ لا وحياتك الواقع يقول اننا نقسو علي الاثنين))

قد يكون مقالي اليوم مملا وطويلا نظرا لاستشهاداتي الكثيرة به  إلا ان الموضوع يستحق فهذة القسوة التي تنتشر بقوة فينا إلي اين ستأخذنا ؟ منذ ثورة يناير وغياب الأمن حدث  نوع من الهياج لدي بعض العناصر الضاله التي تظن ان البلد معتش فيها حكومة  ، فالحوادث وخاصة السرقة والاغتصاب قد ذادت هذة الايام

تري هل مبرر هذة القسوة هو الكبت كما يقول دكتور احمد خالدتوفيق في مقاله ( عندما يخرج الوحش؟) والذي قد قرأته في كتاب ( دماغي كده)

عندما قال ( الكبت ازمةعنيفة في كل المجتمعات  لكنها أعنف في مجتمعنا  ةلا اعني بهذا الكبت الجنسي فحسب  بل العجز عن التعبير عن الغضب او القهر او الغيظ)

دكتور أحمد خالد توفيق وهو من اشهر الادباء العرب ورجل ذو فلسفة رائعه قد بحث كثيرا وكتب عن هذة القسوة التي تنخر عظام مجتمعنا  وعندما حدثت هذة الحادثة القاسية في ابو حماد تذكرت كل كتابات هذاالرجل واردت ان اشرككم بعضا منها ، يتحدث دكتور احمد عن القسوة في مقاله ( الوحش داخل الانسان ) والموجود في كتاب ( الغث من القول ) عندما يتحدث عن صبيحة عيد الاضحي ومهرجنات الذبح

(الأعوام القليلة السابقة لاحظت أن الأمر يوشك علي أن يصير كرنفالاً.. أسر كثيرة تجيء بسياراتها وأطفالها وثياب العيد الأنيقة، لتقف وسط الدم وتراقب المشهد ولا تفوت منه ثانية واحدة، والكل يرفع الهاتف المحمول ليصور كل لحظة من لحظات الذبح. لا بأس.. لنقل إنها فرحة العيد وفرحة الطاعة، وهي فرحة مشروعة.

لكن شيئًا من الشك بدأ يتسرب إلي نفسي، وأنا ألاحظ أن هناك نوعًا واضحًا من التلذذ.. خذ مثلاً هؤلاء الأطفال الذين اتجهوا نحو عجل مربوط إلي عمود نور ينتظر دوره، وراحوا يرجمونه بالحجارة ويسبونه، بينما الكبار مستمتعون، حتي نهرت أنا هؤلاء الصبية: «حرام عليكم.. مش كفايه حيتدبح حالاً؟». السيارة التي تتوقف أمامي لتخرج منها فتاة تضع مساحيق وعطورًا ثقيلة جدًا وتلبس الإسدال وتحمل كاميرا فيديو، وتتسع عيناها في نهم وحشي ثم تصيح: «شوفي يا هبة!… البقرة خايفة تندبح!»

وتقهقه بينما تطل هبة – ذات الأعوام الثمانية – من السيارة وهي تضحك في فرح..

من رحمة الله أن هذه الحيوانات العجماء لا تفهم ما يدور حقًا، لهذا تحمس أحد الذكور جنسيًا نحو أنثي مربوطة جواره واتخذ وضع الجماع.. هذا الحيوان سيُذبح هو وأنثاه بعد دقائق لكنه يحاول تكوين أسرة. كانت هذه دعابة أقوي مما يتحمله الناس فانفجروا يضحكون ويسبونه بأقذع السباب، ثم ضربوه بالحجارة ليتخلي عنها.

بدأت أشعر بالرعب.. الأمر يتجاوز فرحة العيد إلي مهرجان من مهرجانات المسرح الروماني، حيث يلقون بالعبيد للأسود وهم يسخرون منهم.. الدم والخوف والألم.. لا تقل لي إن هذا الحماس سببه التدين، فكل نص ديني أعرفه يدعو لأن تحسن القتلة ولا تعذب الحيوان. والأدهي أنني لم أكن أري هذه القسوة فيما سبق..)

ونعود لنتساءل تري ما سبب هذا الحماس وهذة القسوة الغير مبررة مع الحيوان والبشر  هذة القسوة الي اين ستأخذ المصريين ، القسوة في البشر عموما وليست في المصريين فقط فنجد معمر القذافي حينما كتب مجموعه قصصية بعنوان ( الأرض الأرض  وانتحار رائد الفضاء ) علي ما اذكر كان هذا اسمها  وكان بالمجموعه قصه بعنوان

“الفرار إلى جهنم”، إحدى أبرز قصص المجموعة، تبتدئ بتعبيرات مباشرة تنتقد “قسوة البشر عندما يطغون جماعياً”،  وتناقش قسوة البشر علي بعضهم  ايضا اذا تعمقنا في الادب اللاتيني وواقعيته السحرية لن نتحدث عن ماركيز بالطبع ولكن عن يوسا  والذي كتب واقعيات مرعبه مليئة بقسوة البشر

“مدينة قابيل شُيّدت بالدم البشري، وليس بدم الثيران والماعز“. بهذا الاستهلال المقتبس عن الشاعر وليام بليك، يهيئ الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا قارئه للدخول إلى العوالم المرعبة لروايته “ليتوما في جبال الأنديز هذا الاستهلال، الذي يحيلنا إلى القصة المعروفة حول قتل قابيل لشقيقه هابيل، لم تدرج، هنا، على نحو اعتباطي، بل انه يكشف، ويضيء الكثير من الأسرار والتفاصيل الغريبة في هذه الرواية الحافلة بصور رهيبة عن القسوة والخوف والعنف هناك في البيرو، وعلى مرتفعات جبال الأنديز حيث الخرافات تفعل فعلها، وحيث الأساطير والحكايات الخيالية تمثل الخبز اليومي لسكان تلك البقاع، دون أن تثير الشكوك لدى أحد.

كما أن الرواية تناقش في الاساس قسوة البشر بصورة مرعبة فهذه الملحمة الروائية، التي توثق بعض سنوات الرعب في البيرو، تعرض مأساة اجتماعية ذات أصداء أسطورية، حيث يتحول العنف إلى ظاهرة يومية لدى فئات اجتماعية أو أيديولوجية تؤمن بهذا العنف وتروجه كثقافة عقائدية تجذب عددا كبيرا من أولئك الفقراء الفلاحين والقرويين المعدمين، وبوسائله السردية المتقنة، ولغته الرشيقة والسهلة، يخلق يوسا أجواء كابوسية قاسية لا تستند إلى أي قانون أو منطق أو تفسير، ليغدو العنف، والحال كذلك، أحد موضوعات الرواية الأكثر جلاء، ذلك العنف الذي يتحكم بمصائر الأبطال، وبمسار الرواية ووقائعها المفجعة.

أعرفُ أني أطلت جدا اليوم ولكن عذرا فالأمر يستحق كما انني لم اكتب مقالات منذ ما يذيد عن اسبوعين

لم اكمل حديثي عن القسوة الغارق بها مجتمعنا المصري الذي يمر بفترة حرجه جدا الأن في تاريخه فيا تُرى إلي اين تقودنا هذا القسوة ؟
اسألكم الفاتحة علي روح احمد اسماعيل هذا الشاب الصغير الذي قتل في القطاوية بأبوحماد

تحياتي

محمد فتحي الجابري

 

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى