أعمدة

خالد منتصر | يكتب : هم يتقدمون بالفضول ونحن نتأخر بالتطفل

%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF %D9%85%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%B1

هل الأمم تتقدم بالسياسة والساسة فقط؟ .. هل تغيير الأوطان يتم فقط عن طريق صناديق الاقتراع؟..  هل البلاد تتبدّل عن طريق دساتيرها الورقية أم أيضاً عن طريق دساتيرها السلوكية والأخلاقية؟!.

الأمم والأوطان والبلاد لا يأتيها التغيير والتقدم بحل مشكلاتها السياسية فقط، بل أيضاً عن طريق تغيير ثقافتها وسلوكياتها الاجتماعية وضبط مصطلحاتها وتوصيفاتها للأشياء.

فمثلاً نحن نخلط بين الفضول الإيجابى الخلاق والتطفل الحشرى اللزج  التقدم العلمى فى الغرب سببه هذا الفضول والشغف بالمعرفة وفك الأسرار والألغاز، جاليليو سكنه الفضول ولم يقتنع بتفسيرات رجال الكنيسة عن الأرض وعلاقتها بالشمس، وذهب بالتليسكوب واكتشف وفسر وحُوكم وانتصر فى النهاية، واعتذرت له الكنيسة، ألكسندر فلمنج كان من الممكن أن يُهمل ما حدث على طبق الاختبار المنسى فى معمله، لكن الفضول جعله يكتشف أن هذا هو الفطر القاتل للبكتيري.

وبدأت رحلة البنسيلين  إدوارد جينر لم يفوت ملاحظة أن حالبات الأبقار لا يُصبن بالجُدرى، فدفعه الفضول إلى البحث حتى وصل إلى التطعيم الذى أنقذ مئات الملايين، هذا هو الفضول الذى تتقدّم به الأمم، والذى للأسف تحول عندنا إلى تطفل، الفضول هناك لا يخرج من المعمل والمدرج وساحات البحث والنقاش، لكنه يقف ولا يقفز إلى المترو كما هو الحال عندنا، فيتطفل الرجل على جسد المرأة، ويعمل رحلة سياحة داخلية بعينيه فى كل جزء مكشوف أو مغطى ليلتهمه بالأحداق فى وجبة شهوانية وضيعة .

ينظر جارك فى المقعد المجاور إلى شاشة اللاب توب الذى تعمل عليه أو يتنصت على مكالمتك و«يرمى ودنه» وكأنه سيدخل من جراب الموبايل!!، تتحدث مع صديقك، فتجد بغتة رقبة من يجلس خلفك وهى تتوسط المشهد، ليُدلى بدلوه، طارحاً نظرية لوذعية لم يسأل عنها، أو حلولاً منطقية لم يطلبها منه أحد!!، تجلس فى حالك، لا بك ولا عليك، يقتحمك أخ لهدايتك متبرعاً، لو كنت رجلاً سيحاول إقناعك باللحية وتقصير الجلباب، وإذا كنتِ امرأة فالحجاب قبل الحساب، أو النقاب مكرمة، الرد الطبيعى« وانت مالك وإيش أخششك فى خصوصياتى» لكن هذا الرد سيُقابل باستهجان اجتماعى كيف ترفض الهداية، وكيف تحرج وتقاوم من يريد الأخذ بيدك إلى حظيرة الإيمان؟!، وبالطبع الشىء نفسه والمقياس فى حالة سائق الأوتوبيس الذى يفرض عليك شريط الشيخ كشك أو من يقتحم عليك المدرج المزدحم قبل دخول الأستاذ، ويقرر ودون سابق إنذار أن يخطب فيك، ثم ينهرك كيف لا تنصت لى وتصمم على الثرثرة مع زميلك أو زميلتك يا فاسق، وخطبتى بها كلام الله؟!، مظاهر تطفل فى كل خطوة فى حياتك والمفروض أن ترضخ وتشطب على خصوصيتك وتدوس عليها بحذائك وتصبح مستباحاً للجميع، مثقوباً كالغربال يستطيع الكل النظر إلى داخلك، وبكل بجاحة ودون الاحتياج إلى سونار!، تارة تحت اسم الهداية وتارة أخرى تحت اسم الخوف عليك، وكثيراً ما تكون تحت اسم أهو إحنا بنتسلى مع بعض، التطفل آفة مصرية وعربية تأكل وتقرقض فى نسيج وجداننا كالعثة، متى نتعلم أن نحافظ على خصوصية الغير؟، أن ندع الآخر فى مملكة جسده وجزيرة أفكاره ومعتقداته ما دام لم يضرنى، كنا فى الماضى نُردّد جملة عبقرية «دع الخلق للخالق»، والآن كل منا يتخيل أنه يحمل توكيلاً وتفويضاً من الخالق!!

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى