أعمدة

عمرو حمزاوي | يكتب : الفئران

عمرو-حمزاوي

فى الكثير من الأعمال العربية والعالمية لأدب ومسرح اللامعقول، يوظف بكثافة تشبيه البشر بالفئران. فنحن تارة مجموعات من الفئران المذعورة التى تهرب من الملاحقة وخطر الاصطياد، وتارة أخرى عصابات من الفئران المتآمرة والجاهزة دوما للانقضاض على من هم أضعف منها والاعتياش على استنزافهم دون توقف، وتارة ثالثة شلل من الفئران التى تعرض خدماتها على أصحاب السلطة والنفوذ والثروة وتبتغى نظيرها الحماية وشىء من المكاسب، وتارة رابعة فرق من فئران الفساد والجهل والانحطاط التى تؤشر على قرب النهايات المأساوية وتسارع إلى القفز من سفينة الوطن قبيل غرقها.

فى الكثير من الأعمال السينمائية المعاصرة، وعلى وجه الخصوص فى الأفلام الروائية الأمريكية، تلى مشاهد الدمار الشامل التى تلحقها بالشعوب والبلدان أسلحة فتاكة من قنابل نووية إلى صواريخ محملة برءوس كيمياوية مشاهد خروج الفئران من جحورها ومن تحت الأنقاض، وانتشارها السريع فى كل مكان، وبقاؤها لفترة بمفردها فى الواجهة وكأنها بديل للبشر الذين يختفون ثم يظهرون، إما لكى يواصلوا صراعاتهم ويعيدوا إنتاج الدمار المترتب عليها أو لكى ينهوا نزيف الدماء والدمار ويعيدوا البناء أو لكى يطهروا أوطانهم من الفئران، التى أظهر الدمار وجودها ووجب التخلص منها.

ولأننا فى مصر نعيش فى لامعقول يومى تقترب تفاصيله إلى حد كبير من التفاصيل التى نطالعها فى أدب ومسرح اللامعقول، فإن توظيف تشبيه البشر بالفئران واستدعاء صوره النمطية، قد يكون مفيدا فى مقاربة أوضاعنا وإدراك خباياها.

لدينا بالفعل مجموعات الفئران المذعورة التى تفر من قمع السلطوية وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية، وتهجر المجال العام خوفا على حياتها الأسرية والمهنية وتصمت على المظالم والانتهاكات المتراكمة.
لدينا عصابات الفئران المتآمرة دوما مع السلطوية الحاكمة والتى تغزو مساحات العمل العام وتخترق بقوة سياقات المجتمع المدنى، لكى تقضى على استقلالية العمل العام وتحاصر منظمات المجتمع المدنى وتجردها من الفاعلية.

لدينا شلل فئران «خدمة السلطان» التى تزيف وعى الناس وتفرض الرأى الواحد مستغلة انفرادها بالساحة الإعلامية، ومستهدفة إخضاع المواطن لإرادة السلطوية، وصارخة فيه تسفيها وتهديدا ووعيدا حين لا يتماهى مع رغبات الحاكم الفرد – على النحو الذى يتكرر اليوم فى مصر، بسبب عزوف المواطنات والمواطنين عن المشاركة فى المشهد العبثى للانتخابات البرلمانية، وهو الأمر الذى يدفع مجددا خدمة السلطان إلى تسفيه اختياراتهم وتهديدهم بالعقوبات الصارمة، وتوعدهم بإسقاط حقوق المواطنة عنهم لخيانتهم للوطن.

لدينا فئران الفساد والجهل والانحطاط التى تنتشر فى جميع قطاعات المجتمع الحيوية وتعتاش على الفساد وغياب المساءلة والمحاسبة فى مؤسسات وأجهزة الدولة، فى القطاع الخاص، فى القطاعات الخدمية الأساسية، فى المظاهر المجردة من المعنى والمضمون كالانتخابات البرلمانية الراهنة، التى تبقت مما كان حياة سياسية فى مصر.

لدينا فئران ما بعد مشاهد الدمار الشامل، فالسياسة دمرت بالفعل دمارا شاملا، شأنها شأن سيادة القانون ومبادئ العدل والحق والحرية، وهى تنتشر اليوم فى كل مكان لتجنى المكاسب التى أرادتها من تجديد دماء السلطوية فى مصر ومن تهجير المواطن من المجال العام، ومن استعادة سطوة جمهورية الخوف.

لدينا أيضا «المواطن الفار» الذى ربما أشر عزوفه الواسع عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية الراهنة إلى إمكانية عودته لتخليص الفئران المذعورة من التعقب والقمع والعقاب ولمواجهة جميع فئران السلطوية وخدمة السلطان.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى