مقالات القراء

محمد فتحي الجابري يكتب : خلف جدران الألم

أكتبُ هذة السطور بعد قضائي يوماً من أصعب أيام حياتي ، قضيتة في مستشفي الأحرار بالزقازيق

متنقلا ما بين غرفة الاستقبال وغرفة الملاحظة وغرفة العناية المركزة .

صادفتني بالمشفي أشياءٌ كثيرة  ، لن أتحدث عن اعتصام عمال الأمن لأجل منحة قدرها ثمانية وثلاثين جنيها

ولا عن اضراب عمال التذاكر تاركين المرضي يتلوون من الألم بغرف الاستقبال  ولن اتحدث عن الجفاء الروحي من بعض العاملات بالمشفي يصحن بقوة ويبتسمن ويضحكن بصوتٍ عالِ أمام المرضي الذين يعصف الألم بكيانهم وكأن حياتهن بالمشفي نزهة  تحتويها اللامبالاه .

بل سأتحدث عن المرضى أنفسهم ، هؤلاء القوم الذين لأول مرة ألمس ألامهم عن كثب  وتصم أذاني أصوات توجعاتهم .

كان المشفي مذدحما جدا وأينما يتوجه بصري تتلقفهُ مشاهد رهيبة وصور قاسية  وحالات تجعلك توقن بقوة  أن هذا الكائن الغريب المسمى بالانسان حقاً ما أتفههُ .

في حجرة الاستقبال كان هناك رجلا تبدو عليه ملامح القوة والصحة لكنه كان يتلوى ألما من وجع في جنبه كالنيران تشب في جسده ، كان الرجل يصيح بقوة مستغيثا بأي شخص يخفف عنه ألمه .

وفي حجرة الملاحظة كانت هناك أم تسب المشفي بأكمله لتركهم ولدها دون رعاية  وكان ولدها شابٌ لم يتعد العشرين كان رأسه ممزق من كثرة الجروح وذراعاه مكسورتان  وبجواره رجل يدعو الله بحرقة أن يأخذهُ من الدنيا كي يرتاح من ألامه .

كل هؤلاء القوم خارج المستشفي كانوا يفعلون كل ما لذ لهم وطاب لم يحسبوا حساب تلك اللحظة  وقد بدا هذا واضحا في صياح الأم لإبنها حين قالت ( فرحان قوي بشبابك ورايح تتخانق ؟) ….

وعندما تم نقل أبي لغرفة العنايه المركزة  كانت الصورة بالأعلي أشد قسوة ن كانت العنايه حجرات كثيرة جدا لكل التخصصات وكلها بها حالات لا تستطيع المكوث أمامها ولو لدقائق .

أشد ما  ألمني هذا الفتي الذي يقف أمام جثة والده صامتاً ، لاول مرة اري هذا المشهد علي الحقيقة الطبيب يسحب الغطاء علي وجه المريض ويقول في اسف البقاء لله  وظل الفتي دامع العينين وقت طويل ينظر لأبيه المُسجى بلا حراك في صمت .

كنتُ أُتابع ابي وفي نفس الوقت عيني ترصد كل الحالات التي امر بها  وكانت كل لحظاتي قاسية بحق  وصور هؤلاء القوم الراقدون في العنايه عالقة بمخيلتي خاصةً تلك الطفلة الصغيرة هاجر  كانت تتصل بجسدها ابر كثيرة وكل فترة تفتح عينيها وتغلقهما .

وهذا الرجل الذي تعدي الخمسين من  عمرة ويرتدي حفاضة اطفال لعجزة عن قضاء حاجة كسائر البشر  حقاً ما أقسى الشعور بالعجز ، كل هذة المشاهد تجعلك  تشعر وبقوة بمدي تفاهة هذا الانسان الذي يتجبر  ويتباهي بقوته  وفي لحظةٍ تجد نفسك أضعف من ضعيف .

وبين كل غرف العنايه المركزة كانت هناك خلية نحل تعمل في همة وبإخلاص  هم طاقم التمريض وأطبائهم  ربما لعلمهم أن كل من في هذي الغرف ربما يغلقون باب الحياة بعد قليل .

علام البغضاء والمشاحنات ايها البشر والدنيا لا تساوي شيئاً  ؟

تذكرتُ هشام الجخ وقصيدته البغبان حينما قال ( بين الحياة والموت …. نفس)  . وكرهتُ حياتي في الساعات التي قضيتها في المستشفي

وفي اخر اليوم اراد لي الله ان اخرج مبتسما رغما عن اي شئ فوالدي استقرت حالته نسبيا  ورأيت الطفلة الصغيرة هاجر تقف علي قدميها وتبتسم  وفي طريق العودة قررتُ أن أقلع عن التدخين نهائيا  لن أتحمل وجودي في غرفة عناية مركزة مسجى علي فراش مصابا بسرطان الرئة  والناس ينظرون لي في إشفاق ….

خالص تحياتي

محمد فتحي الجابري 

تعليق واحد

  1. تناول رائع للموضوع, شفا الله والدك و أدام عليه و علي المسلمين أجمعين نعمة الصحة و العافية, و هنيئا لك بالإقلاع عن التدخين, و أرجو أن تستمر علي هذا

زر الذهاب إلى الأعلى