مصطفى النجار | يكتب: ليه الشاب المصرى بيطفش من الجواز؟

أعرف زواجا لم يكتمل بعد أن رفض العريس حجز قاعة باهظة الثمن في أحد الفنادق الشهيرة بسبب ضيق يده بعد المصاريف الضخمة التي تكبدها منذ بدء رحلة الاستعداد للزواج! أعرف زواجا لم يتم لأن لون أرضية وحوائط الحمام لم يعجب العروسة التي كانت ستسكن في شقة تمليك (وليس إيجارا) فانهار المشروع بعد أن رفض خطيبها هدم الأرضيات والحوائط الجديدة وتغييرها! أعرف زواجا لم يكتمل لأن العريس رفض أن يكتب على نفسه مؤخرا بمبلغ نصف مليون جنيه طلبها أهل العروسة بهدف تأمين مستقبل ابنتهم التي ستعيش معه!

يتساءل الناس عن تراجع معدلات الزواج وتأخر سن الزواج لدى البنات والشباب على السواء ويغفلون تغير الثقافة المصرية فيما يخص مسألة الزواج التي تحولت إلى ما يشبه مشروعا اقتصاديا مشتركا! أعرف زميلة طبيبة حين دخلت في تجربة الزواج فوجئت بوالد خطيبها يسألها عن دخلها الشهري وقال لها ستقومين بتحمل نصف المصاريف الشهرية التي ستنفقونها انت وابني عشان ابنى لسه بادئ حياته وعايز اللى تساعده! وبالنسبة لبنزين عربيتك ممكن والدتك تتحمله عشان احنا مش مسؤوليتنا ان اهلك جابوا ليكي عربية طالما جوزك عنده عربية!

ذكرت هذه المثال الواقعي لأؤكد أن المشكلة تشمل الطرفين وأنها مشكلة ثقافة مجتمعية لم تعد تقدر مفهوم القوامة الصحيح ولم تعد تدري أهمية التيسير على الراغبين في الزواج في ظل هذه الظروف الاقتصادية الخانقة للجميع، أستطيع أن أروي حكايات لا تتوقف عن زيجات كان المال فيها والمظاهر هي الأساس الذي استندت إليه وانتهت بطلاق عقب شهر أو أسبوعين من الزفاف، ولم تحمِ المظاهر المادية والطلبات الاستعراضية هذه الحياة من الانهيار السريع والصادم.

يحب الشاب الفتاة وتبادله الحب ويرسمان ملامح الحياة المقبلة وحين تصل بهما خطواتهما إلى بيت الأهل تبدأ مرحلة جديدة وتصبح التعاملات المادية والتقييم المادي هما الأساس، حتى المتدينون الذين يرفعون شعار (فاظفر بذات الدين تربت يداك) لم يسلموا من هذا الغلو الذي ينافي ما يحث عليه الدين من تيسير للراغبين في الزواج.

حكى لي صديقي الذي أحب ابنة داعية معروف وعندما ذهب للقائه فوجئ بالطلبات الخيالية التي طلبها الرجل وحين سأله صديقي قائلا: ولكن كلام حضرتك عن الزواج في دروسك أبسط من ذلك بكثير، فقال له: هذا هو الكلام العام ولكن لا بد أن أؤمن مستقبل بنتي!

كثير من البنات على قناعة تامة بأن طلبات أهلهن مبالغ فيها ولكن ظاهرة (ما ينفعش تبقى أقل من بنت خالتك) تُحدث هذا الانحياز لرؤية الأهل وتتحول الكرة لمربع الرجل حيث تسأله الفتاة ببلاهة: انت عايزني ابقى اقل من بنت خالتي؟! انت لازم تتعب عشاني وتثبت لأهلي انك بتحبني وعايزني!

مسكين الشاب المصري الذي يتعرض لهذه الصدمات فيحجم عن فكرة الزواج بشكل كلي ويعتبرها من التراث البائد ويرفع شعار (ليه تتجوز لما يمكن تصاحب) و(اللى اتجوزوا خدوا ايه خلينا كدا براحتنا بلا مسؤولية ووجع دماغ)

على الجانب الآخر هناك الرجال الذين لا يدركون معنى الرجولة والقوامة وما تفرضه عليهم من متطلبات وواجبات وعقب الزواج تفاجأ زوجته بأنه ينتظر منها أن تنفق على البيت والأولاد من عملها بينما يتسكع هو بين المقاهي ولا يطيل بقاءه في عمل وبالتالى تزداد ظاهرة المرأة المعيلة التي تتحمل المسؤولية رغم وجود زوجها المتقاعس.

القضية كبيرة ومتعددة الجوانب وكل طرف سيجد نفسه مظلوما فيها ويحمل الطرف الآخر المسؤولية ولكن الحقيقة أننا بصدد مشكلة اجتماعية حقيقية توجب التوقف ومراجعة الذات واستعادة الثقافة المنقرضة التي كانت تعنى بالبحث عن السعادة وحسن الأصل وحسن الخلق لا المظاهر والماديات

المصدر