أعمدة

مصطفى النجار | يكتب : أنا المجند أحمد فتحى سلام

الدكتور-مصطفى-النجار

أنا ابن هذا الريف الطيب الذى يمنح مصر الخير والصفاء، أنا ابن هؤلاء البسطاء الذين يعشقون وطنهم ويفخرون بأبنائهم الذين يلبون نداء الوطن ويلتحقون بثغوره وحدوده للدفاع عنها والسهر بعيون يقظة ليبقى الناس آمنين فى بيوتهم، كنت أعلم أن القدر قد اختار لى مكانا للخدمة غير آمن يطاردنى فيه الموت فى كل لحظة ولكن يقينى أننى لن أرى إلا ما كتبه الله لى، حملت سلاحى ووضعت روحى على كفى ووقفت أرابط فى سبيل الله والوطن، أتذكر وجه أمى وإخوتى وأنتظر إجازتى القادمة لأعانقهم وأبثهم شوقى ولهفتى وقرب انتهاء خدمتى لتبدأ حياتى مثل ملايين الشباب.

لست منحازا لفئة ولا أعرف من السياسة إلا ما أسمعه من الناس، أنحاز فقط للوطن ولا أرى سواه، كل المصريين لدىّ سواء لا أكره أحدا ولا أتمنى الضرر لأحد، لا أصنف الناس طبقا لدين ولا فكر ولا لون، أفرح إذا فرح الناس وأحزن لحزنهم، أحلم لبلدى بالتقدم حتى أستطيع أن أعيش فيه كريما مرفوع الرأس، أحلامى بسيطة مثل أغلب من هم فى سنى، أريد إنهاء خدمتى العسكرية والبدء فى العمل والادخار وبناء نفسى حتى أبنى أسرة صغيرة تقر عين أمى وهى تحمل أحفادها.

يقولون عنى مرتد وأنا الذى يبهجنى صوت الأذان وتواشيح الفجر التى تنطلق من مسجد قريتنا! فقد عرفت دينى بصفائه وبساطته ووسطيته، لم أؤذ أحدا ولم أبغض أحدا، حين هاجمنا أصحاب الرايات السوداء كانوا يهتفون: الله أكبر، فسألت نفسى: كيف يقدمون على قتلنا وهم يهتفون باسم الله؟ ألا يستحون من خالق السماوات والأرض الذى جعل سفك دم الإنسان أعظم الحرمات؟ لم أفر وثبتُّ فى مكانى أدافع عن ثغرى إلى أن سقطت أسيرا فى أيدى هؤلاء.

ذقت من العذاب ألوانا لا يتحملها بشر، أرغمونى على تسجيل رسالة مصورة يقولون فيها على لسانى ما يريدون نقله للسلطة، كانت شفتاى ولسانى ترتجف وأنا أنطق بما يقولون وخرج من فمى بصعوبة شديدة وأنا غير مقتنع بما أرغمونى على قوله، يقولون إنهم يريدون تحرير بيت المقدس ولكن رصاصهم وقنابلهم لا تتجه ناحية الصهاينة وإنما تتوجه لبنى وطنهم الذين يصفونهم بالكفار.

كنت أعرف أننى على موعد مع الموت فاخترت الموت السريع لأرتاح من هذه المرارة التى خلقها إذلالهم لى وتعذيبى بما لا يتحمله بشر، ظل رأسى مرفوعاً وهم يصفّون جسدى بالرصاص وروحى تشكو إلى الله من ظلمنى واستحل دمى، لا تصدقوا أن هؤلاء ينتقمون للمظلومين؛ فمن ينصرون المظلوم لا يظلمون إنسانا آخر، ومواجهة الظلم لا تكون بالظلم.

أنا أبكى وطناً يشمت فيه بعض من أبنائه فى قتل برىء مثلى، مثلما بكيت قبل ذلك على كل برىء مات ظلما وغدرا، إن كان لى أمنية بعد موتى فهى أن تنقذوا الوطن من الوقوع فى براثن التطرف والإرهاب ومن كل ظلم يؤدى لكراهية وثأر ودماء فكلاهما طريقان للموت وهذا الوطن يستحق الحياة.

فليتقبلنى الله شهيدا فى جواره وليصبّر أهلى وليحمِ مصر من الكراهية والظلم والشقاق.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى