رأي

مقالات |صلاح عيسي يكتب |حرية الصحافة فى خطر

 

mmm6888 25m 7 3 2010 36 25

 

آخر ــ وأدق ــ مسودة لمواد بابى «المقومات الأساسية للدولة» و«الحقوق والحريات العامة» من مشروع الدستور الجديد، هى التى نشرتها جريدة «الأخبار»، أمس الأول الخميس، وقراءة عابرة للمواد التى تتعلق بحرية الصحافة فى هذه المسودة، تؤكد ما قلناه، وهو أن أسيادنا الذين فى تأسيسية الدستور، يكرهون حرية الصحافة، ويسعون لتقييدها.

وفى هذه المسودة، وهى آخر سوءات تأسيسية ــ أو استبدادية ــ الدستور، جاءت المادة «10» من باب الحقوق والحريات لتقول «حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة والرقابة على ما تنشره محظورة، (ولا يكون إنذارها ولا وقفها ولا إلغاؤها إلا بحكم قضائى)، ويجوز الاستثناء فى حالة إعلان الحرب أن تفرض عليها رقابة محددة».

وبهذا الفصل أعادت تأسيسية الدستور ــ جزاها الله بقدر نيتها ــ عقوبة تعطيل الصحف التى ألغيت منذ ست سنوات، طبقاً للقانون 147 لسنة 2006 الذى قضى بإلغاء المادتين الوحيدتين اللتين كانتا تجيزان تعطيل الصحف فى القانون المصرى، وكانت الأولى تجيز تعطيل الصحف ثلاث مرات، إذا واصلت النشر عن موضوع يجرى التحقيق معه بشأنها.. وكانت الثانية تلزم القاضى فى حالة إدانة رئيس تحرير الصحيفة أو ناشرها أو صاحبها فى جرائم إهانة رئيس الجمهورية أو إهانة رئيس ــ أو سفير ــ دولة أجنبية، أو الطعن فى عرض الأفراد، أن يقضى ــ فضلاً عن الحبس ــ بتعطيل الجريدة شهراً إذا كانت يومية وثلاثة شهور إذا كانت أسبوعية، وسنة فى الأحوال الأخرى، وتجيز له ــ فى غير هذه الجرائم ــ أن يعطل الجريدة نصف المدة المحددة.

والسؤال: ألا يعرف أعضاء التأسيسية ــ وبينهم أساتذة فى القانون ومحامون، بل نقيب الصحفيين ذات نفسه ــ أن عقوبة تعطيل الصحف قد ألغيت من القانون منذ ست سنوات؟.. وهل لم يجدوا مصدراً يستنيرون بأفكاره الديمقراطية فى صياغة دستور ثورة 25 يناير إلا الديكتاتور إسماعيل صدقى؟

أما عقوبة «إلغاء الصحف» سواء بقرار إدارى أو بحكم قضائى، فقد اختفت من التشريع المصرى، سواء كان قانوناً أو دستوراً، منذ صدر دستور 1923، والحالة الوحيدة القائمة الآن لعدم صدور صحيفة هى الواردة فى المادة 48 من قانون تنظيم الصحافة، التى تقضى باعتبار ترخيص إصدار الصحيفة كأن لم يكن إذا لم تصدر خلال الشهور الثلاثة التالية للترخيص، أو إذا لم تصدر بانتظام خلال ستة أشهر.

أما المادة «12» من باب الحقوق والحريات، فقد جاء بالمسودة التى نشرتها «الأخبار» أنها «ملغاة»، وقالت المسودة إنها حذفت، وكان نصها «لا يجوز توجيه الاتهام فى جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى هذه الجرائم»، وبررت المسودة ذلك بأن النص «يتعارض مع المادة (2) بشأن مبدأ عدم التمييز ولعدم دقة مفهوم جرائم النشر، ولأن الأصل فى تحريك الدعوى العمومية هو للنيابة العامة».

ومعنى هذا الكلام أن أسيادنا الذين فى التأسيسية يصرون على الحفاظ على عقوبة الحبس فى جرائم النشر، ويستندون إلى المبررات نفسها التى كان يشيعها النظام السابق، فلا تمييز هناك ولا يحزنون، لأن المطلوب هو إلغاء عقوبة الحبس فى جرائم النشر وليس إلغاء «حبس الصحفيين»، وهى تشمل كل الذين يرتكبون إحدى هذه الجرائم، من مؤلفى الكتب إلى خطباء المساجد، ومن قراء الصحف إلى المتحدثين فى الفضائيات ومن الذين يهتفون فى المظاهرات إلى الذين يرفعون اللافتات أو يجأرون بالصياح، و«جرائم النشر» ليس مفهوماً غامضاً، بل هو مفهوم واضح حددته المادة «171» من قانون العقوبات بأنه كل من يرتكب جريمة بإحدى «وسائل العلانية»، ثم إن التأسيسية نفسها استخدمت تعبير «وسائل النشر والتعبير» فى المادتين «9» و«10» من الباب نفسه!

وحذف هذه المادة من آخر مسودات تأسيسية الدستور، يعنى أن الكلام الذى سمعناه من مستشارى الرئيس ووزير العدل ورئيس مجلس الشورى، وأقطاب حزب «الحرية والعدالة»، عن أنهم ضد الحبس فى جرائم النشر ينطبق عليه المثل الشعبى «كلام الليل مدهون بزبدة.. يطلع عليه النهار يسيح».

أما المادة التى لا رقم لها، والتى اختفت من مسودة باب الحقوق والحريات منذ البداية، وهى المادة التى اقترحها الصحفيون، وتنص على أن «تكفل الدولة استقلال الصحف ووسائل الإعلام المملوكة لها عن كل السلطات وكل الأحزاب لتكون ساحة للحوار بين كل التيارات والأحزاب والمصالح الاجتماعية»، فلاتزال مختفية، لأن أسيادنا الذين فى التأسيسية، يصرون على إكراه الصحفيين والإعلاميين العاملين فى الصحف القومية والتليفزيون الحكومى على أن يكونوا عبيد إحسانات الحزب الحاكم1

والسؤال الآن: أين الصحفيون الأعضاء فى تأسيسية الدستور ومنهم: أيمن نور وفاروق جويدة وممدوح الولى؟، وأين الصحفيون الذين يضمهم فريق مستشارى الرئيس ومنهم أيمن الصياد وسكينة فؤاد؟ ولماذا يصمت رؤساء تحرير الصحف الخاصة والحزبية على ما يجرى للصحافة فى تأسيسية الدستور؟!

تحرك أبوالهول.. هذا الزمان تحرك ما فيه حتى الحجر!

 

المصري اليوم

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى