رأي

مقالات | ضياء رشوان يكتب |من المسؤول عن قَسم رئيس المخابرات؟

 

771

من حق أى حزب حاصل على الأغلبية فى أى بلد ديمقراطى أن يديره وفقاً لما يراه صالحاً له، ويتفق مع توجهاته الفكرية والسياسية. ومن حق أى رئيس منتخب ديمقراطياً أن يختار من يشاء من نوابه ومساعديه ومستشاريه وأعضاء حكومته لكى ينفذ ما وعد به ناخبيه أثناء الحملة الانتخابية. إلا أن هذه الحقوق لا يمكن ممارستها ولا يجب دون وجود ضوابط وحدود دستورية وقانونية توضح الصحيح منها والمخالف، وهو الأمر الذى تزداد أهميته فى المراحل الانتقالية مثل هذه التى تمر بها مصر الآن.

ومن الواضح بعد نحو ثلاثة أشهر من انتخاب الرئيس محمد مرسى أن ممارسة هذه الحقوق، أو بعضها على الأقل، تتم دون أى قواعد قانونية أو دستورية تحددها وتبين المسموح به منها والممنوع، فواقعة قيام رئيس جهاز المخابرات العامة الجديد بأداء القسم أمام رئيس الجمهورية واضعاً يده على المصحف الشريف مقسماً على الولاء الكامل لرئيس الجمهورية ودون الالتزام ولو بحرف واحد بأى إطار دستورى أو قانونى يحكم البلاد – توضح أننا أمام «ابتداع» ليس له نظير فى التاريخ السياسى المصرى الحديث ينذر بمخاطر حقيقية على مستقبل نظامها الديمقراطى المنشود وتماسك مجتمعها الموحد. فالقسم بوضع اليد على المصحف والإشارة إليه فى اليمين «بكتابه هذا» يعنى أنه فى حالة أداء مسؤول مسيحى القسم الرسمى سيكون من حقه أن يضع يده على الإنجيل الذى يؤمن به، وهو ما سوف يثير اعتراضات من فئات إسلامية متشددة نعرف جميعاً طريقة تفكيرها، وخصوصاً فى الإشارة بعد القسم بالله إليه باعتباره «كتابه هذا».

إن السؤال المنطقى الذى يطرح هنا هو: ما الحاجة إلى هذا «الابتداع» فى صيغة القسم وطريقة أدائه من جانب مؤسسة الرئاسة، ولماذا قبل بذلك الرئيس؟ البعض يرى أنه جزء من السعى لصبغ الدولة وأجهزتها وتقاليدها بالصبغة الإخوانية بما فى ذلك نقل طريقة وقسم الولاء من داخل صفوف جماعة الإخوان إلى مؤسسات الدولة المصرية.

ويؤكد هؤلاء أيضاً أن هذا النقل من الجماعة للدولة هو الذى يفسر غياب الالتزام بالدستور والقانون فى القسم الرسمى، فالجماعة لم تكن – وهى فى حالة السرية التى استمرت ستين عاماً – ملزمة أو مضطرة إلى هذا الالتزام، فهى فقط ملتزمة بنظامها الداخلى وبأوامر قيادتها، وهو ما ليس له أى علاقة بقواعد الدولة وتقاليدها. ويرى البعض الآخر أنه بالإضافة لهذا، فإن مضمون قسم رئيس المخابرات يوحى بتخوفات الرئاسة من عدم الولاء المطلق لصاحب هذا المنصب الحساس لها، وهو ما دفع إلى تكبيله بمضمون القسم وطريقة أدائه بوضع اليد على المصحف. وخطورة هذه الملاحظة هى أن سيادة التخوفات والشكوك على هذا المستوى الرفيع من أجهزة الدولة تعنى أننا أمام حالة غير طبيعية وقلقة تهدد عمل هذه الأجهزة المنوط بها إدارة البلاد والحفاظ على مصالح شعبها وأمنها القومى، وهى حالة إذا صدق وجودها فيجب، كما هو الحال فى أى دولة ديمقراطية، مصارحة الشعب بها.

إن أحداً ليس من حقه، أيا كان موقعه ومنصبه، أن يبتدع فى تقاليد وقواعد الدولة التى نملكها أجمعين ما يهدد دستوريتها وقانونيتها أو يدفع أو يذكى الخلافات أو حتى الشكوك بين أجهزتها الرفيعة المسؤولة. ومازلنا ننتظر أن نسمع من رئاسة الجمهورية تفسيراً حقيقياً لواقعة قسم رئيس المخابرات، غير ما قدمه المتحدث الرسمى لها على حسابه الشخصى، فهو من ناحية غير مقنع ولا كافٍ للتفسير ومتناقض مع بعض وقائع الماضى، وهو من ناحية ثانية لا يعبر عن الرأى الرسمى لرئاسة الجمهورية التى يجب أن توضح لشعبها كل الحقائق، كما تقتضى قواعد الديمقراطية والشفافية.

 

المصري اليوم

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى