أخبار العالم

مهاجرة سورية: أنا امرأة عربية، فهل أنا مضطهدة؟

18686140221473519621

لا حاجة لأن يكون المرء ذكيا كي يلاحظ الفوارق بين أوضاع المرأة في المجتمع الغربي وفي المجتمع الشرقي. أنتِ مضطهدة! إنها الفكرة المنتشرة عن المرأة العربية في الغرب، فهل هن حقا مضطهدات؟ إنه سؤالٌ ضجّت له أفكاري بشريط ذكريات. قالت بجدية تامة :” أكره تأنيث وتذكير العطورات أيضاً، لا وجود لعطر نسائي وآخر رجالي، هناك ما تفضله النساء، وما يفضله الرجال، وأنا إمرأة أفضل هذه الرائحة التي صنفت للرجال فقط”. كانت تلك كلمات صديقتي عندما ذهبنا لشراء عطور في سوريا قبل سنوات مضت. وفي الواقع، لم تكن العطور قضيتها بحد ذاتها، بل ما يشير للتفضيل وحرية الإختيار. كانت بحاجة لاستنشاق القليل من الحرية أينما حلّت، بعد أن سئمت واقعاً مفروضا عليها، ليس من اختيارها، فهي أم لطفلين، مطلقة، صغيرة في السن. كانت تشعر دائماً بأنها فريسة مستهدفة، أمضت عدة سنوات في مناورات قضائية للحصول على حق أطفالها في نفقة، لم تكن منصفة إطلاقاً. كما قضت سنوات أخرى في البحث عن عمل أملا في تحقيق أحلامها. هذا هو شكل الحياة في مجتمع ذكوري، تتناسب فيه شروط الحياة مع الرجل، بما في ذلك فرص العمل والوظائف التي يحتكرها، فيحد من حرية المرأة، وفي نفس الوقت فإنه يتشدق بالكلام عن حقوق الإنسان والتحرر، بعد أن قُفلت العقول بصورعادات وتقاليد أكل الدهر عليها وشرب. أتذكر طرافة الخواطر الرومانسية التي كنت أكتبها في أيام المدرسة، كجميع زميلاتي، كنت أخاطب “فلسطين” حبيباً” لأنني لم أمتلك الجرأة حينها على المجاهرة بمشاعر بريئة، خوفاً من أصابع الإتهام وتشويه السمعة، وكان هناك دائماً صراعٌ وكفاحٌ مستمرين لتحقيق الذات والمطالبة بالحقوق والمساواة من منبر المُطالب، وليس من واقع المُدافع. عند النظر لمرآة السنوات الماضية، تغمرني البهجة بالتغيير الذي وصلنا إليه رغم الطريق الوعر. لكن، وعلى الرغم من إنجازات المرأة العربية المتلاحقة على كافة الأصعدة، فإن التركيز الإعلامي مازال ينصب على الجوانب السلبية فقط، إذ يتم تصويرها في بعض وسائل الإعلام، على االصعيد الغربي والعربي أيضا، كإمرأة محدودة الطموح مسلوبة الإرادة شغلها الشاغل العثور على فارس الأحلام، كي لا يفوتها قطار الينوعة، في حين يضع آخرون المرأة المستقلة أوالمتحررة في خانة العهارة. ولاشك أن تهميش النجاحات النسائية، والتسابق على تغطية الأخبار السلبية المرتبطة بها، كزواج القاصر، وجرائم الشرف، والإتجار بالنساء – كل ذلك ساهم في تشكيل تلك الصورة البدائية عن وضع المرأة العربية. عندما غزت قصة البوركيني الشاشات العالمية، تذكرت موقفاً طريفاً عن صديقتي المحجبة، التي سئلت في ألمانيا باستمرار، إن كانت تستحم وتنام بالحجاب، وإن كان لديها شعر، والبعض يقول لها بروح الفارس المنقذ، أنتِ الآن في ألمانيا، ولك كامل الحرية بالتوقف عن ارتدائه. أكثر معاناتها تجلت في تقديم شرح لهم، بأن الحجاب كان من اختيارها ورغبتها، حيث لم يُفرض عليها، لكن الفكرة الراسخة لدى العديد من المواطنين الألمان هي أن الحجاب يرمز للاضطهاد. وتليها سلسلة من الأسئلة عندما يتفاجؤون بمستواها العلمي العالي، فتسارع بالشرح والقول بأن عقلها غير مُحجب، وهي مهتمة جداً بمتابعة دراستها في شعبة العلوم السياسية في ألمانيا، لكن موجة الأسئلة الموجهة لها عن دور المرأة العربية في المُعترك السياسي لاتنتهي. في ألمانيا تتواصل مثل هذه الجدالات التي لا تخلو من مواطن الحقيقة، بصرف النظر عن الأفكار الجاهزة المنتشرة بهذا الشأن. في الواقع، لا أذكر من الأسماء النسائية التي شغلت مناصب سياسية سوى، نجاح العطار، التي كانت وزيرة الثقافة على مدى عدة سنوات متواصلة. كنت قد توقفت عن ذكرها حين إعتقدت بأن اسمها (نجاح العطار) في الواقع هو اسم المنصب الذي كانت تتقلده. ثم هناك بثينة شعبان، وزيرة المفاجآت السارة الخُلبية، ولا شئ آخر يذكر سوى الأسماء. المهم هو أن تبقى الحركات النسوية قائمة. وحتماً ستعمل النساء مجدداً على صقل صورتهن بأناملهن الشرقية، فيدفن صورة (باب الحارة) في أيام الشاشة السوداء إلى اللا عودة. صديقتي التي تبحث عن حريتها باختيارها لأصغر التفاصيل، ما زالت تحاول السفر لإبعاد أطفالها عن مشاهد الحرب، إلا أن والد الأطفال لم يعطهم إذناً لمغادرة البلاد بعد، غير أنها لن تتوقف بمحاولاتها لتحقيق ذلك، كما أخبرتني أثناء مكالمتنا الأخيرة بقولها: ” قد أكون مضطهدة ولكنني حُكماً لست مستكينة”.

المصدر 

shady zaabl

كاتب صحفي مصري مهتم بالمواقع الإلكترونية وإدارتها وكتابة المقالات في جميع الأقسام وذو خبرة في الصحافة والإعلام والمحتوى لـ 5 سنوات وفقً لدراسة أكاديمية وتطبيق عملي .
زر الذهاب إلى الأعلى