أحمد شوبير | يكتب : أنا وأخويا على ابن عمى.. وأنا وابن عمى على الوزير

 ولو سألت أكبر خبير: مَن يدير اتحاد الكرة؟ فلن يعطيك إجابة. ولو سألت رجال الإعلام والصحافة، بل المشاهدين العاديين: من صاحب القرار؟ فلن تجد إجابة. علامات استفهام.. وتعالوا نحلل الموقف بهدوء: هل يوجد فى مصر قضاء؟ الإجابة بالتأكيد نعم. والسؤال الثانى: هل القضاء أحكامه نافذة؟ الإجابة بالتأكيد نعم. السؤال الأخير: هل تنفذ أحكام القضاء؟ الإجابة نص نص.وحتى لا تتوه منى، عزيز القارئ، تعالَ مثلا على حكم فى اتحاد الكرة الطائرة، يتم تنفيذه دون خوف من اللجنة الأوليمبية أو الاتحاد الدولى، ولمَ لا؟ فاللجنة الثلاثية موجودة، وستعطى لك المبررات لإنفاذ حكم القضاء، هنا نقف لنصفق، فلا سلطان لأحد على أحكام القضاء، فهى صاحبة اليد الطولى على الجميع فى مصر، بدءًا من رئيس الجمهورية، وصولاً لأصغر مواطن فى مصر، والدولة نفسها احترمت أحكام القضاء فى قضية تيران وصنافير، وقررت أن تمضى للنهاية لإثبات صحة موقفها، ولم تختفِ وراء السيادة أو القرارات العليا، بل انصاعت بكل احترام لقضاء مصر.

والأمثلة كثيرة ما بين مسؤولين وجهات عليا، لأن احترام القضاء هو الأساس فى مصر، بل فى أى مكان فى العالم، ولطالما أشدنا بقضاء مصر دائما وأبدا، واحتمينا به كثيرا للحفاظ على ثوابت مصر التى نفخر بها دائما.

لكن قصة القضاء فى الرياضة أصبحت لغزًا لا يمكن لأحد أن يجد له حلاً، فالمواثيق الدولية والأوليمبية تمنع اللجوء للقضاء، والدستور المصرى يؤكد أن القضاء هو السلطان الآمر الناهى فى كل ما يخص النزاعات داخل جمهورية مصر العربية، لذلك نتخبط دائما ما بين رغبات بعض الأشخاص فى السيطرة والتحكم وإقرار واقع مؤلم بالتهديد بالإيقاف الدولى، بل حتى المحلى فى حالة مخالقة الميثاق الأوليمبى، وما بين دستور يكفل للقضاء السلطة فى إقرار القانون وتطبيقه على الجميع دون استثاء، والحل ليس سهلا، فنحن أخفقنا حتى هذه اللحظة فى إقرار قانون للرياضة، كان من الممكن أن ينهى كل المشكلات والأزمات الرياضية فى مصر.

والحقيقة أنى أجد بعض العذر للسيد الوزير فى حيرته البالغة، لأنه ينطبق عليه مقولة «البحر من أمامكم والعدو من خلفكم»، فلا هو قادر على المضى خطوة للأمام أو الرجوع خطوة للخلف، فكلا الخيارين مر، وحتى أصدقاؤه المقربون الذين كان يعتمد عليهم، ويثق بقدرتهم على الوقوف بجانبه وإخراجه من الأزمات المتكررة للرياضة المصرية- تخلّوا جميعا عنه، واكتفوا بالنظر لمصالحهم الشخصية دون أى مراعاة للارتباك الحاصل فى الرياضة المصرية، والمتابع للخناقات العنيفة التى تعيشها الرياضة المصرية الآن سيتأكد أن الأمل أصبح ضعيفا جدا فى الوصول لحلول لأزماتنا الرياضية التى تتكرر بشكل شبه يومى.

ولعل ما رأيناه أخيرا فى قضية الاتحاد المصرى لكرة القدم هو خير مثال على صدق كلامى فيما يتعلق بكيفية ضرب عرض الحائط بكل المواثيق والدساتير، فنحن أمام حكم قضائى واجب النفاذ، وفى نفس الوقت نحن أمام مواثيق لا يمكن أن نخالفها، وفى النهاية مطلوب من السيد الوزير أن يحل، وعندما يفكر الوزير فى الاستعانة بصديق تفتح عليه أبواب جهنم، فهناك من يفكر فى رئاسة اتحاد أو رئاسة لجنة أوليمبية أو أى منصب آخر، وبالتالى لا يهم على الإطلاق مصلحة الرياضة المصرية، «فأنا ومن بعدى الطوفان» هو شعارهم، بل إن البعض ذهب لما هو أبعد من ذلك عندما هدد بتجميد النشاط الرياضى فى حال تم إيقاف انتخاباته، رغم أن هذا القرار سيكون إنقاذًا للرياضة المصرية.. هذا عن اتحاد الكرة، ثم نذهب إلى أوليمبياد ريو دى جانيرو، لنجد الوسط الرياضى منقسما بين منتقد بشدة لنتائج البعثة المصرية فى الأوليمبياد، ومشيد بالإنجازات التى يرون أنها تحققت بحصول مصر على ثلاث ميداليات برونزية، اثنتان فى رفع الأثقال، وواحدة فى التايكوندو، ورغم اعترافنا بنجاح هؤلاء الشباب فى حفظ ماء وجه مصر بهذه الميداليات، فالواقع المرير يؤكد أن «فيه حاجة غلط»، فلا يمكن أبدا أن تكون الرياضة المصرية بهذا الإخفاق، رغم كل البطولات التى نشارك فيها على كل المستويات، بدءًا من كأس العالم، وصولا لدورة الألعاب الأفريقية، ورغم الحصول على عدد لا بأس به من الميداليات فى مختلف المنافسات، إلا أن فيما يبدو أننا نضحك على أنفسنا، ونهلل كثيرا لانتصار فى بطولة عربية أو فى دورة ألعاب أفريقية، وننسى الأهم، وهو المحافل العالمية، وخير مثال الدورة الأوليمبية الأخيرة.

نحن لسنا فى معركة، البعض يساند الوزير، والبعض يهاجمه، وأنا أراه غير مسؤول على الإطلاق عن الإخفاقات التى حدثت فى «ريو دى جانيرو»، فالرجل لا يتأخر عن دعم كل الاتحادات بكل ما طلبوه، بالإعداد والاستعداد للأوليمبياد، بل زاد الغلة لكثير من الاتحادات، وعقد اجتماعات كثيرة ومطولة سواء مع اللجنة الأوليمبية أو الاتحادات الرياضية للوقوف على آخر الاستعدادات، وليس مطلوبا منه أن يتابع إعدادات الفرق، وأن يبدى ملاحظاته، فهى ليست مسؤوليته، ولكن مسؤوليته الواضحة الآن هى الحساب والثواب والعقاب، فمن أخطأ لا بد أن يعاقب وبشدة، والعقاب ليس بالضرورة الحل أو الاستبعاد، بل هناك مائة طريقة وطريقة لإيجاد وسيلة بالعقاب، فكما ننادى بالتكريم فى حالة الإنجاز، ننادى وبقوة بالحساب العسير لكل من تهاون أو تخاذل فى سبيل الحصول على ميدالية أو مركز متقدم لمصر فى أى منافسة، ولا يصح أن نحمل السلاح فى وجه اتحاد الكرة مثلا عند خسارة مباراة وفى الوقت نفسه نغض البصر عن كل الألعاب أو معظمها رغم كل هذه الخسائر.

وللعلم أنا لا أتحدث عن خسائر مادية، فالإعداد واجب والصرف على المنتخبات أيضا واجب، فلذلك أعود وأكرر أنه دون حساب سنصل إلى الهاوية، وسنفقد ما تبقى لنا من شخصية رياضية، بل أخشى ما أخشاه أن يأتى علينا زمن نبكى فيه على الميداليات القليلة التى كنا نحققها، وتصبح حلما مثل حلم التأهل لكأس العالم الذى نسيناه منذ عام 90.

وأضرب لكم مثالا ببطولة أفريقيا التى احتكرناها لثلاث دورات متتالية، ثم غبنا حتى عن التأهل لنهائياتها، والآن نقيم الأفراح والليالى الملاح لمجرد التأهل لنهائيات الأمم الأفريقية.

أختم، فأقول إن الوضع صعب، وإن يدًا واحدة لا تصفق، حتى لو كانت يد السيد الوزير.