أعمدة

عمر طاهر | يكتب : الكمين

عمر طاهر

أشياء كثيرة تربطنى بمنطقة وسط البلد..
معظم الصحف التى عملت بها والتى ترتب على وجودها فى هذا المكان ارتباط شرطى بمقاهى المنطقة، ارتباطا شرطيا ترتب عليه أن تصبح هذه المقاهى أماكن تجمع لأرباب المهنة، أرباب المهنة الذين حولوا المقاهى بطبيعة الأمر إلى صالونات أدبية وثقافية، هذه الصالونات أصبحت فى نهاية التسعينيات الإرهاصة الأولى لبرامج التوك شو فى مصر كلها، بل إن معظم مقدمى أشهر هذه البرامج وهم أبناء قدامى للمنطقة اكتسبوا مهارات المهنة من اختلاطهم برواد هذه المقاهى.
كان الواحد يلتقى بأصدقائه أثناء التنقل بين شوارع وسط المدينة من مقهى لآخر بالأريحية نفسها التى تلتقى بها فى الصالة بمن يشاركونك السكن فى الشقة نفسها، وكانت الاشتراكية هى المسيطرة على فلسفة تعاملاتنا اليومية، فمهما كان الجميع مفلسين فإنه يكفى وجود شخص واحد حاصل لتوه على مكافأة من الجريدة التى يعمل بها ليمنح جيلا بأكمله شعورا بالثراء الفاحش، فالاحتياجات بسيطة تبدأ بساندوتشات المكرونة وتمر بأكواب الشاى والقهوة وتنتهى بأن يضع الجالس علبة دخانه أمامه متاحة للجميع، سواء من يشاركونه المنضدة نفسها أو المقهى نفسه أو الإنسانية عموما، وفى كل الأحوال يضمن لك الأصدقاء دائما فى نهاية اليوم ما يكفيك لاستقلال مواصلتين، واحدة تأخذك إلى منزلك وواحدة تعود بك إلى وسط المدينة فى الصباح.

ليست المدينة الفاضلة كما بدأت تعتقد حضرتك، فكل تجمع  له أمراضه التى تشبهه، سواء كان  تجمعا لفنيى الخراطة أو للنخبة المثقفة، لكن الأمر إجمالا كان به من الراحة والونس ما ينسيك مرارة بعض المتطفلين والمرضى وعديمى الموهبة.
لا تظن أننى سمسار يود أن يبيعك شقة فى وسط المدينة وإن كان هذا جزءا لا يستهان به من قصة حياتى، حيث قضيت هذه السنوات أبحث عن فرصة للسكن فى هذه المنطقة، ولكن لأن الله يعلم جيدا أننى لن أتحمل ملابسات العيش وحيدا عزبا فى وسط المدينة بما ينطوى عليه الأمر من فساد متوقع، كان رحيما وكلل مجهوداتى للسكن هناك على مدى عشر سنوات بالفشل الذريع.
فى يوليو2009 وبعد أكثر من عشرة أعوام قرر الله أن يستجيب لدعائى ولكن بشروطه.. فمنحنى الشقة التى أحلم بها فى وسط البلد.. وزوجة أيضا.
الله يعرف كل شىء.
(2)
عندما تقرر أن أسكن هناك كنت أتلقى السؤال نفسه يوميا (حد يسيب المعادى ويسكن وسط البلد ؟.. ليه عملت كده؟)، صدق أو لا تصدق كنت أقدم إجابة واحدة لا تتغير، كنت أرد دون تفكير فى كل مرة قائلا

“عايز أكون قريب من الثورة لما تقوم”.

صباح يوم 28 يناير كانت زوجتى على شفا أن تضع مولودنا الأول، يفصلنا عن حدث الولادة ما بين ساعات وأيام، قررت أن أنقلها فى صباح هذا اليوم لمنزل حماتى باعتبار أن شقتنا التى تطل على شارع قصر العينى ستكون خطرا على حالتها، كانت الشقة قد تشبعت قبل يومين بالغاز والدخان، تسكن حماتى على بعد خمس عمارات فى عمق المنطقة، فقلت لنفسى إن إقامة زوجتى لديها فى هذه الظروف الخاصة تبدو أفضل كثيرا.
كان للسكن فى قلب الحدث ميزة إضافية، فكلما اشتد أثر الغاز المسيل للدموع أثناء المواجهات كنت أصعد إلى شقتى لأستشهد لمدة نصف ساعة ثم أغسل وجهى لأنزل من جديد، وهكذا إلى أن فوجئت فى إحدى المرات بالبواب قد أغلق باب العمارة بالجنزير واختفى، فلم يكن أمامى إلا العودة إلى الشقة مكسورا، تسللت إلى الشرفة تحت وطأة القصف المتبادل وعلقت علم مصر (علم المنتخب سابقا) وظللت ألوح بعلامة النصر إلى أن ابتعدت المصادمات باتجاه آخر الشارع، ثم بدأ الجنود فى الانسحاب، فنزلت ومسحت بالبواب أرض المعركة.
فى صباح اليوم التالى كنت أتأمل الجدار الخارجى للعمارة التى تقطن بها الحماة فوجدته مليئا بآثار الخرطوش، أما المسافة ما بين ماسورة الغاز الخارجية الرئيسية وحائط العمارة فقد كانت مستقَرًّا لفوارغ طلقات الغاز التى كانوا الجنود يطلقونها لأعلى طول الوقت.. كانت المعركة أمام بيت حماتى أكثر ضراوة.

(3)
أحتاج لوقت طويل حتى أندمج مع جيرانى الجدد فى كل مرة أغير فيها سكنى، خلال هذا الوقت يمنعنى الخجل من أن أقدم جملة مفيدة بلا ارتباك، لذلك أكتفى بأن أبادلهم طيلة الوقت ابتساما حقيقيا صادقا، حتى عندما يكون لدى أحدهم حالة وفاة تصيبنى لعثمة داخلية قبل أن أقدم جملة التعازى المألوفة فكنت أستعيض عنها بابتسامة أخرى لكنها أكبر من كل مرة.
فى مساء السبت 30 يناير كان كل من ابتسمت فى وجوههم خلال الفترة الماضية يقفون إلى جوارى أمام باب العمارة.
بعد أن ذاع أمر السرقة والبلطجة وهروب المساجين وحتمية تكوين لجان شعبية وجدنا أنفسنا نقف فى الشارع يتعرف بعضنا على البعض الآخر للمرة الأولى، كان التوتر يخفى ودًّا ما، ولم يحل الذعر بيننا

وبين السخرية من طقم سكاكين المطبخ الذى يقف به رجالة بشنبات أمام بيوتهم، الضحك كان ملهما ورفع مستوى التواصل الفكرى بيننا فتغيرت خطة التسليح كالتالى.. سحب الحواجز الحديدية الموجودة أمام البنك المجاور لعمارتنا واستخدامها فى إغلاق الشارع بالطول، تجميع صناديق البيبسى والكوكا كولا الفارغة من كل شقة ووضعها خلف أحد السيارات التى تركن أمام العمارة بحيث تكون هذه السيارة ساترا يمكن من خلفه قذف المشتبه بهم بالزجاجات فى منتصف الرأس تماما، سرعة العثور على عدد كاف من السنج والصافوريات والسيوف والكذالك والشوم العادى والمدبب وتوزيعها على كل من فى الكمين.
التنسيق مع اللجان الشعبية الموجودة (قبل – بعد) لجنتنا لإحكام الرقابة على أى سيارة تمر والاتفاق على علامة ما تؤكد لنا أنه مر بالفعل من اللجنة التى تسبقنا وأنه خال من أية مشكلات، كنا فى البداية قد اتفقنا على أن تكون العلامة هى رفع مساحات السيارة، وهى فكرة سرعان ما ثبت فشلها بعد أن اكتشفنا أن معظم السيارات بدون مساحات أصلا، ثم اتفقنا على أن تكون إرغام قائد السيارة على أن يسير وشنطة سيارته مفتوحة وهو أمر صعب السيطرة عليه فى بعض السيارات الحديثة التى تنغلق شنطها أوتوماتيكيا بمجرد السير، ثم اتفقنا على أن تكون كلمة سر يقولها قائد السيارة بنفسه أو من يرافقه بعدما اكتشفنا أن أول قائد سيارة كان من الصم والبكم، وفى كل الأحوال يتم التنبيه على قائد السيارة أن يجتاز كل اللجان القادمة والرخص فى يديه ونور الصالون مفتوح.
كانت كلمات السر تتغير كل فترة بدأت بـ(سبع الليل) ومرت بـ(الأشباح) وانتهت بـ(مصرى أصلى).
رفض كل الاقتراحات المؤذية مثل العرض الذى تقدم به أهلى عبر اتصال هاتفى من سوهاج يعرضون فيه نقل قطع خفيفة من البنادق الآلية لدعم عمل اللجنة، أو اقتراح الرفاق فى السيدة زينب بأن يمدونا بفرد حى أو حتى فرد خرطوش، لكن فى الوقت نفسه تم اعتماد بعض الاختراعات التى تبناها بعض الرفاق، مثل عصا المقشة الطويلة المثبت فى نهايتها سكين حاد، بحيث يمكن استخدامها كرمح، أو الكرابيج البلدى المنقوعة طول الوقت فى زيت مواتير، بينما تخلينا عن فكرة الاستعانة بكلب بعد أن أحضر واحد مننا كلب بلدى وربطه فى الحاجز، لكنه أرهقنا لفترة طويلة حيث كان مريضا ومنهكا من كثرة الغاز الذى استنشقه أثناء المواجهة، وكان بحاجة للتغذية والتدفئة والطبطبة طول الوقت فأطلقنا سراحه.
أما القرار الأهم فقد كان تحويل مدخل العمارة إلى بوفيه يقدم المشروبات الساخنة المجانية طول الوقت للرفاق باستخدام الكاتل المملوك لحارس العقار وبدعم تموينى من كل شقق العمارة.
كانت الأيام العشرة الأولى صعبة، إذ كنا طول الوقت فى انتظار الأشباح التى على وشك الوصول إلى الكمين الذى نقف فيه، كان يزورنا كل فترة شاب على موتوسيكل طالبا مننا أن ننتبه وفى كل مرة كان يقدم سببا مختلفا..
انتبهوا “فيه عربية من بتوع التوحيد والنور مسروقة وجواها بضاعة بنص مليون جنيه”، انتبهوا “فيه عربية كيا حمرا بإزاز فيميه فيها اتنين بيضربوا نار على الناس فى اللجان” انتبهوا “فيه عربيتين إسعاف فيهم مساجين هربانين مرفعين السواق” انتبهوا “فيه واحدة منقبة فى عربية جيب سودا بتوزع كحك بعجوة مسمم على الناس فى اللجان” انتبهوا “أى حد ييجى يقولكم عايزين متبرعين بالدم امسكوه.. طب ليه؟ بيحقنوا الناس بفيروس وفيه 30 واحد ماتوا فى البساتين” انتبهوا “فيه 50 واحد هجموا على العيال فى بركة الفيل والدنيا ولعة وفيه ضرب نار” انتبهوا “أى ضابط شرطة يعدى عليكوا امسكوه وسلموه للجيش” انتبهوا

“وصلوا المنيل وجايين على هنا؟ هم مين؟.. ماحدش عارف هم مين”.
كانت أياما صعبة..
هل تريد أن تعرف الحصيلة؟
سيارة بها ضابط شرطة قال لنا إنه من طاقم حراسة فتحى سرور، قلنا له سنسلمك للجيش فرحب بذلك كثيرا، فمن المؤكد أنه كان سيلقى هناك معاملة أفضل من التى يلقاها كل خمسمئة متر فى لجنة.
شاب مثير للشك، بلا بطاقة عند تفتيشه، تم ضبط خواتم ذهبية معه، تم تسليمه للجيش، اعترف للضابط بأنه سرقها من محل كبير فى المهندسين، بعد أسئلة كثيرة عرف الضابط أنه فرع أحد محلات “داماس” فقال له “ده الدهب.. فين الألماظ بقى؟” فقال له “والله ما كان فيه ألماظ.. المحل كان متكسر دخلنا مالقيناش غير شوية الدهب دول وشوية حاجات فضة سبناها” فقال له الضابط “وهو داماس بتاع فضة؟ ما هو ده الألماظ يا بن العبيطة”.

قبل التنحى بيومين تنهد سمير الأشقر الأب الروحى للكمين قائلا لنا حكمة الأيام الماضية “بقالنا أسبوعين واقفين فى البرد ومابننامش علشان هوا”.
(4)
فى اليوم الثالث استفحلت ظاهرة ندرة السجائر وكروت الشحن والعيش البلدى.
كانت الأكشاك الموجودة فى المنطقة قد تحطمت خلال المواجهات دون استثناء، أما المحلات الكبيرة التى كانت تفتح أبوابها لساعتين فى صباح كل يوم فقد نفد كل ما بها من دخان وكروت شحن فى اليوم الأول بالرغم من كون خدمة المحمول مقطوعة.
خال زوجتى لديه من المعارف من يقطنون فى أماكن بعيدة شبه مستقرة، مما سمح له بأن يجلب كميات من الدخان كانت هى المداد الرئيسى لرجال الكمين.
أما أهلى فى سوهاج فبعد عودة خدمة المحمول كنت أتصل بهم يوميا ليملوا على رقم كارت شحن جديد سرعان ما ينفد مع كثرة الاستهلاك لمتابعة ما يحدث طول الوقت.
وحده الخبز كان مشكلة..
فى يوم وبعد بزوغ ضوء النهار وبينما الرفاق فى اللجنة يستعدون للعودة إلى شققهم، لمح واحد مننا من بعيد شابا على دراجة يسير ويحمل تقفيصة عيش بلدى فطارده إلى أن أتى به حيث نقف.
“رايح فين والعيش ده بتاع مين؟”
“بتاع أشرف اللى فاتح عربية فول جنبكم”.
كان الاتفاق مع شاب الدراجة مليئا باللطف والحزم والإغراءات.
“عايزينك كل يوم تجيب لنا 200 رغيف”.
وقف واحد مننا يحصى عدد الشقق والسكان والظروف التى نعيشها فانتهى إلى نتيجة وافقنا عليها جميعا.
“عايزينك كل يوم تجيب لنا 500 رغيف”.
لم يمنعنا الخمسمئة رغيف من أن يكون ختام برنامجنا اليومى عند عربة أشرف بائع الفول، كان البرد والإجهاد والسهر ومشاوير الاطمئنان على من فى الميدان المتكررة طول اليوم كل هذا كان كافيا لأن نلتهم أشرف نفسه فى كل صباح.
ينتهى الإفطار الفاحش ويلم أشرف أشياءه وينصرف بعد أن نفد كل ما يمكن أن يقدمه، ثم يسحب كل واحد من السكان ما يلزم أهله من طاولات الخبز المفرودة فى مدخل العمارة ثم يتجه إلى شقته.
أما فرن الفينو فقد كان شبه مخصص لدعم أهل الميدان، كانت شنط المخبوزات تصبح جاهزة بعد منتصف الليل لنتولى نقلها إلى هناك.
مرة وحيدة منعنا فيها ضابط الجيش من الدخول إلى الميدان خوفا علينا.. كانت مساء موقعة الجمل، كانت الأعيرة النارية تدوى لدرجة أنها أسقطت من يقف مثلنا على بوابة الميدان من جهة قصر العينى.
كان الشعور بالعجز يومها موجعا.. جعل دموع بعضنا تتساقط بحرقة، وكانت الغصة محكمة عندما توقفت سيارة إسعاف خارجة من الميدان عند الحاجز وفتح السائق باب السيارة وأنزل منها شخصا كان ما برأسه يسيل على وجهه مختلطا بالدماء، تسمرنا فى أماكننا ونظرنا له بذهول فقال “مات مش هاقدر أعمل له حاجة.. هادخل آخد واحد لسه فيه الروح يمكن أقدر ألحقه”.
(5)
كل ساعتين كنت أصعد للاطمئنان على اقتراب موعد ولادة زوجتى.
بسبب الغلاسة التى تشهدها لجنتنا واللجان الأخرى فى التضييق على الغرباء كنت أدعو الله أن يهل موعد الولادة فى الصباح حيث لا لجان ولا زحام.
وبالفعل فى تمام منتصف ليلة الخميس 3 فبراير قالت حماتى “لازم نتحرك على المستشفى دلوقتى”.
المستشفى فى المنيل.. وسمعة اللجان الشعبية هناك تسبقها، والأساطير التى يتم تداولها عن جهود المنيلاوية الخارقة فى ضبط الخارجين عن القانون تجعل الواحد يفكر ألف مرة قبل أن يهوب ناحيتهم.
لم يكن هناك بديل عن التحرك فى وفد مكون من عدة سيارات، كانت الخطة أن يوجد الشباب فى السيارة الأولى لشرح ملابسات هذه الزفة للواقفين فى كل لجنة بحيث تقصر المساحة الزمنية اللازمة للتفتيش

والاستجواب وفحص الرخص، وتقليل الجهد المبذول فى دحض الشك الفطرى الذى يسيطر على كل من يحاورك وفى يده سلاح يسألك “إشمعنى يعنى جى من هنا؟”.
أصدقائى أيضا يعرفون أننى أحمق ومتسرع وساخر فى عز الأوقات التى لا محل فيها للسخرية أبدا فنصحونى بألا أفتح فمى حتى نصل إلى المستشفى.
فى المنيل كان لدى قراء يعرفوننى أكثر من المربع الذى أسكن فيه، استقبلنا واحد منهم على مدخل المنطقة وأصر على أن يرافقنا بنفسه حتى المستشفى، فزادت الزفة سيارة فولكس حمراء مكتوب عليها بالإنجليزية:
Fuck
الأمر الذى أكد لى أنه من قرائى فعلا.
فى المستشفى كان (وصول) رقية إلى الكوكب فى يوم اسمه أصلا جمعة (الرحيل)، تفاءلت بالمفارقة وتذكرت العم صلاح جاهين وهو يقول “لا بد ما يموت شىء علشان يحيا شىء”.
كان هناك فترة على بعضها من العمر توشك أن تموت حتى تبدأ فترة جديدة حياتها.. فترة لم يكن بها أى شىء واضح فى هذه اللحظات سوى قطعة من اللحم الأحمر لا ترانى بينما أنا لا أرى غيرها.
(6)
توفى حمايا بينما رجل غريب يقف ليلا فى أحد شوارع تونس يهتف ” بن على هرب.. بن على هرب”.
كان الحزن على حمايا يضيف بعدا ثالثا على كل ما يعيشه الواحد فى هذه الأيام، كنت أقولها دائما فى وجهه وفى غيابه أنه أحلى ما فى زيجتى ، وكان رحيله سببا كافيا لعدم عمل سبوع للمولودة، لم يكن هناك أى مجال لـ(دق الهون) الذى تقول الأساطير الشعبية إنه تقليد يحمى المولود من الخضة طوال عمره، لم أدق لها الهون وتأكدت أنها ليست أسطورة، فالبنت حتى هذه اللحظة تفزع إذا قلت لها صباح الفل بصوت أعلى من المعتاد قليلا.

لكن جدتها قالت لا مانع من هز الغربال ونطر الملح والصلاة على النبى فى أذنيها، كان الطقس مختصرا فى حضور والدتها وجدتها وإحدى قريباتها فقط وكنت أصورهم بكاميرا الموبايل..
كان التليفزيون مفتوحا و كنا ننتظر خبرا هاما.
أثناء تصوير الطقس كنت أستمع إلى صوت عمر سليمان فى الخلفية ولم أكن أتوقع جديدا، إلى أن أقر بتخلى مبارك فظللت أنقل الكاميرا ما بين البنت وعمر سليمان إلى أن انتهى الخطاب.
جريت باتجاه السلم.. كانت الفرحة أكبر من انتظار الأسانسير، وأمام باب العمارة كان الشعب الذى قضى الأيام الماضية يفكر ألف مرة قبل أن يمر من هذا المكان يمنع سكانه الأصليين من الخروج من عماراتهم من فرط الازدحام.
عدت إلى مدخل العمارة وجلست على السلم.. التفت إلى يمينى ناحية بئر السلم فوجدت مئات من أرغفة الخبز البلدى ممدة على الطاولات كما هى ولكنها قد يبست تماما وتراصت طبقات فوق بعضها.

shady zaabl

كاتب صحفي مصري مهتم بالمواقع الإلكترونية وإدارتها وكتابة المقالات في جميع الأقسام وذو خبرة في الصحافة والإعلام والمحتوى لـ 5 سنوات وفقً لدراسة أكاديمية وتطبيق عملي .
زر الذهاب إلى الأعلى