مقالات

أسماء الهادي | تكتب : مدينة ههيا على مر التاريخ

الهادي تكتب ههيا من ماضى وشخصيات من الحاضر

محافظة الشرقية من أهم محافظات مصر تاريخياً والتي حظيت بإهتمام الفراعنة، ظروفها التاريخية جعلت منها موقعًا ذات مكانة فريدة على إمتداد التاريخ القديم والحديث، حرساً تواجه به الموجات الأولى فى كل غزو وافد من الشرق، نجد فى الكثير من بلدانها بقايا أثار فرعونية على مر تاريخ أسر ما قبل التاريخ وبعده.

ههيا المعروفة تاريخياً باسم «الجزيرة البيضاء» بلدة قديمة بمحافظة الشرقية تبدو كقطعة من اليابسة الغامضة وسط تيارات الحياة بأساطيرها وحوادثها الصاخبة، طباع أهلها والإنفعالات، هموم عيشهم والآمال التي تتكسر أمام العواصف المتولدة غالبًا من عمق تكوينها الاجتماعي، تلك المدينة التى سميت بهذا نسبة إلى «عمرو بن العاص» عندما فتح مصر، وقال هاهي جنة الله الخضراء وحرفت الكلمة من هاهي إلى« ههيا» التي تبلغ مساحتها «117.375 كم2 أي 2.38%» بالنسبة لإجمالي مساحة المحافظة ويمثل المركز المرتبة الحادية عشر من حيث المساحة بالنسبة لمراكز المحافظة.

أما عن ضواحيها يوجد بها العديد من القرى «قرية الزرزمون، صبيح، العدوة، الفواقسة، حوض نجيح، قرية المسلمي، العلاقمة، المحمودية، قرية المهدية، عزبة الصيفي، قرية المطاوعة، شرشيمة، السكاكرة، قرية حسينية مهدية، منزل حيان، المساعدة الكبيرة».

يذكر أنها كانت تضم الممتلكات التابعة للسلطة الحاكمة، ومن هنا أصبحت أرض زراعية منذ فجر التاريخ ذات تربة خصبة تقع على ضفتي النهر والدليل وجود البلدتين الإبراهيمية والمهدية على الضفة الشرقية لها، ولكن عدم وجود دور تاريخي لها فى الثورات أو الحروب جعلها لم تذكر على مر التاريخ.

مرت مدينة ههيا عبر العصور بمراحل التاريخ القديم والوسيط «الإسلامي»، وعند البحث عن تاريخها وجد الكثير من الروايات شبة الأسطورية ومنها: العثور على بعض «المساخيط» فى أكوام التراب فى عزبة فهمي، اثبتت الأدلة التاريخية بعد ذلك أنها كانت مقابر للبطالمة وبالبحث والتنقيب عثر على تمثال للملك بطليموس الثاني بأراضيها.

« الشرقية منبت دولة التوحيد» خرج الملك مينا موحد القطرين من قرية الحسينية التابعة لمركز ههيا والدليل على ذلك العثور على تاج له بالقرية وتم بيعه فى ألمانيا دون علم أحد.

أما عن العصر الوسيط «الإسلامي» نجد الكثير من المصادر التى تتحدث عنها مدينة ههيا وضواحيها فمنها قرية «المحمودية» والتي عرفت بأن مقابرها إحدى مخازن سيدنا يوسف لتخزين القمح، حيث عثر بها على حجر كريم منقوش عليه «شونة قمح» هذا دليل على أنه انتقل من مكان لآخر، ههيا تمتلك شون للغلال منذ فترة كبيرة جداً ليكون مكانها الآن «الصوامع» بعد تجديدها، حيث أن مصر مشهورة طوال عمرها بمخازن «القمح»، كما وجد فى قرية «حوض نجيح» وبتنقيب هيئة الآثار تم العثور على لوحة مكتوب عليها أسم الملك «نحطاب الأول» آخر ملوك الأسرة الثلاثين سنة 1964، كما تقع المدينة على بحر مويس وهو أحد الفروع الرئيسية لنهر النيل كما ذكر هيرودوت وبطليموس واسترابون، بالإضافة لوجود قبائل عربية على أرضها قد إستوطنتها مع وجود الفتح العربي ومنها قبيلة «جذم ولخم» وقبائل قيسية قد قدمت من منطقة الحجاز ومنهم الأولياء المنتشرون بمقامات المساجد بها.

«الشرقية أهل الكرم» أشتهرت مدينة ههيا بإكرام الضيف من إستقبالهم للعلماء وتقديم الطعام، كما ذكروا أن سكان تلك المدينة يبدون أكثر تحضراً من جيرانهم، منها أماكن يذكر أنها تاريخية: «العلواية» مكان يقال أنه مكان استوطان المصريين القدماء حيث عرف بـ «الجزيرة البيضاء» لما وجد به من رمال قديمة بيضاء، «النقرة» مكان يسمى الآن منطقة عزبة فهمي اكتشف به بعض التماثيل القديمة والتى بيعت دون علم أحد، أيضا كوبري البحر والذي يرجع عمره لأكثر من 100 عام.

كانت ههيا فى العصر الحديث كما وصفها أحد علماء الحملة الفرنسية عند قيامهم بعمل موسوعة وصف مصر لها أسوار مرتفعة تحميها من هجمات العربان الذين يخترقون وجود هذه البلدة دون أن يستطيع أحد معرفة دوافعهم الحقيقية وغاياتهم، بالإضافة لزراعة النخيل على الطريقة الأوروبية رغم أنها لم ترى أوروبا قبل مجئ الحملة.

من أقدم المعالم الدينية الموجودة بها مسجد «الجامع الكبير» ويقال أن به حجر يرجع بناءه إلى عهد الخليفة عمرو بن العاص، بالإضافة لـ «مقام الحاجة أمنة» الموجود منذ مايقرب من ٢٠٠ سنة ولم يبن من فراغ، بناء من الحجر يعلوه بهو كبير وآيات قرأنية تملئ المكان، نقوش إسلامية قديمة تحكى تاريخ بناء المقام هذا هو حال المكان وطبيعته الخاصة.

لن نعود إلى بداية التاريخ، لكن سنقفز إلى الفترات ذات الزخم، شخصيات برزت أسمها فى التاريخ بعد رحيلها منهم: الروائي «يوسف محمد شحاتة أبو رية» روائي مصري من أبرز كتاب جيل السبعينيات وأغزرهم إنتاجًا فاز بجائزة نجيب محفوظ للإبداع الروائي من الجامعة الأمريكية عام 2005 ولد سنة 1954م بمركز ههيا محافظة الشرقية وتخرج في قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة وعمل بها ثم تفرغ في السنوات الأخيرة للكتابة وصار من بين أبرز مبدعي الرواية في مصر.

ومن أبرزهم أيضاً «خالد محمد خالد» ولد بقرية العدوة مركز ههيا في يونيو 1920 وكان عالم إسلامي كبير من أقطاب الفكر الإسلامي وعضو المجلس الأعلى للأدب والفنون وكان عميدًا لمعهد البحوث الإسلامية، وله العديد من الكتب الدينية وتوفي في 29 فبراير 1996.

وأيضاً اللواء «حسين كامل» محافظ البحر الأحمر ابن قرية المهدية الذى استشهد فى حرب الإستنزاف معركة شدوان، الشاعر محمد الههياوي عضوًا في الحزب الوطني المصري، ولد في مدينة ههيا، وتوفي في القاهرة، قضى حياته في مصر اشتغل بالصحافة، وكان محررًا في جريدة «وادي النيل»، رأس تحرير جريدة «الأمة» اشتهر بنقده اللاذع وأسلوبه الساخر، الرئيس «محمد مرسي» الذى ولد في قرية العدوة تولى منصب رئيس جمهورية مصر العربية وهو أستاذ دكتور بجامعة الزقازيق.

«لن أصدق أن هذا البلد بها تاريخ فرعوني قديم»، وهبتنا تاريخًا لا يضاهيه أمة فى العالم، ورغم ذلك نعطيها حاضرًا مليئًا بالتدهور والتخلف، تمنحنا دائمًا الفخر ونبتليها بالفساد والعشوائية، بلا شك نقف أمام هذه الشخصيات إحترامًا وتقديرًا نتشرف بشرقاويتهم ليس تعصبًا بل تقديرًا لهذا المكان وتلك البيئة الباعثة على الإبداع، والتى تسرد الوقائع التاريخية المتعلقة بالمستعمرين الباحثين عن إحتلال مصر.

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى