أعمدة

ياسر أيوب | يكتب : مهنتى ليست عارى أو فضيحتى

ياسر أيوب

لا يا سيدى العزيز.. لست خائفاً منك أو منهم.. ولا أكتب حتى أرضيك أو أرضيهم.. ولن تزعجنى شتائمك وسخريتك وإهاناتك إن كتبت ما لا يرضيك أو يعجبك ويوافق هواك.. فالإنسان كما يعتاد النظام أو الفوضى.. الجمال أو القبح.. العمل أو الكسل.. يعتاد أيضا مناخ الشتائم والإهانات التى لا حدود أو سقف لها حتى يأتيه وقت يتخيل فيه أن هذه الشتائم المتبادلة والإهانات المتناثرة والمفردات الفجة والسافلة هى المناخ الطبيعى والواقعى.. وهو ما جرى لنا كلنا فى مصر مؤخرا، حيث لم يعد يعنينا من هو صاحب الحق أو حتى ما هو الحق والصواب، إنما فقط يلفت انتباهنا الأكثر صخبا والأعلى صوتا والأقل تهذيبا واحتراما وصاحب الاتهامات المجانية دون أى تدقيق أو تحقيق.. وأقول ذلك كله لأننى حين تابعت الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية اكتشفت أننى مدين أولا باعتذار لجماهير الأهلى والزمالك وللألتراس أيضا والوايت نايتس.. فقد أصبح مجتمعنا مؤخرا أكثر تعصبا وتطرفا من هذه الجماهير والجماعات الكروية المتشددة.. وأن ما يجرى فى الملاعب وحولها وبشأنها أقل كثيرا بما يجرى يوميا فى كل شارع ومكتب وبيت.. ففى هذه الأزمة.. انقسم الجميع كالعادة إلى فريقين.. أولهما قرر أن الصحفيين أصحاب حق مطلق وأن نقابتهم مضطهدة ومهانة وأن جمعيتهم العمومية، أمس الأول، تمنحهم الحق فى فرض كل شروطهم ومطالبهم على الدولة ومؤسساتها.. أما الفريق الآخر فقد كان قراره النهائى والحاسم هو أن الصحفيين شياطين وفوضويون وفاسدون على استعداد لبيع الوطن وأهله من أجل مصالحهم الشخصية ومكاسبهم الخاصة.. وهكذا أصبح كل من يريد التعليق على ذلك مضطرا للانضمام إلى أحد الفريقين استسلاما لنظرية الأبيض والأسود، وضرورة أن تختار موقفا واحدا من اثنين فقط حتى لا يتهمك أحد بمحاولة إمساك العصا من منتصفها جبنا وخوفا ومراعاة للمصالح وهربا من الصدام والمواجهة.. وأنا يا سيدى سأمسك العصا من منتصفها ولست خائفا أو عاجزا أو هاربا، لكننى مقتنع بأن للجميع أخطاء كثيرة وفادحة وواضحة فى هذه الأزمة.. الدولة ووزارة الداخلية ونقابة الصحفيين أيضا.. ثم هؤلاء الذين باتت هوايتهم إهالة التراب على أى أحد يختلف مع الدولة بشأى حق وقضية.. فمؤخرا ومع نقابة الأطباء خرج هؤلاء الناس يعددون ويحكون عن أخطاء وجرائم أطباء هنا وهناك.. والآن يحكى نفس الناس عن جرائم وأخطاء وفساد لبعض الصحفيين هنا وهناك.. وغدا سيكون المحامون والمهندسون وبقية المهن والوظائف ونقاباتها.. ولهؤلاء أقول إنه حتى إذا كانت هناك أخطاء متبادلة من الجميع.. فالحقيقة الوحيدة هى أن الصحافة ليست فضيحة أو عارا أو اتهاما.. ولم يزعم الصحفيون أبدا أنهم فوق القانون ولم يتخيلوا أن لنقابتهم حرما وقداسة زائفة.. وأن هذه المهنة التى يهينونها الآن بكل سخف وسذاجة لها شهداؤها وتضحياتها وضميرها وضرورها أيضا.. ورغم اعترافى بأخطاء لنقابتى ويقينى بأخطاء للداخلية إلا أننى أرفض إهانة مهنتى والسخرية منها، وسأبقى شديد الفخر والاعتزاز بمهنة الصحافة وواجبها ورسالتها.

 

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى