أعمدة

ياسر أيوب | يكتب : ضرورة أن نجرى لنحتفل بانتصارنا

10ebfbf1eacb41202ee6e0825af4d030

في عام 1278 قبل الميلاد.. كان لابد أن يجرى رمسيس الثانى حوالى مائة وخمسين مترا بمنتهى السرعة والقوة حتى يستحق الجلوس على عرش مصر.. وبعد ثلاثين عاما قضاها رمسيس الثانى يحكم مصر.. عاد مرة أخرى ليجرى نفس المسافة، دلالة على أنه لايزال الفرعون القوى السليم القادر على حكم مصر.

ويحكى الكاتب النرويجى ثور جوتاس في كتابه الرائع عن الجرى لماذا كان لابد أن يجرى رمسيس الثانى.. ولماذا أصبحت القدرة على الجرى أحد الشروط والمواصفات الواجب توافرها فيمن يحكم أو سيحكم مصر.. فالفكرة لم تكن فقط الصحة واللياقة البدنية إنما كان هناك اعتقاد بأن أي ملك على عرش مصر لن يستطيع أن يجرى سالما إلا إن كانت القوى الكبرى تحرسه وتحميه من الشرور والشياطين.. ولم يتحدث ثور جوناس فقط عن جرى الملوك في مصر القديمة.. إنما حكى الكثير جدا عن تاريخ الجرى في مصر وكل الحضارات القديمة.. وعلاقة الجرى بالدين والأمن والغذاء..

لكن إذا كان ثور جوتاس قد حكى عن التاريخ والرؤى الإنسانية والثقافية والسياسية للجرى.. فهناك كتاب جميل آخر اسمه «لماذا نجرى؟».. وفى هذا الكتاب يشرح الألمانى بريند هينريش ما الذي يحدث داخل جسم الإنسان حين يمارس الجرى.. وكل الاستعدادات التي يقوم بها الجسم حتى يستطيع صاحبه أن يجرى.. وهى استعدادات كثيرة وهائلة تخص الجهاز العضلى والقلب ودورته الدموية وهرمونات وإنزيمات وأحماض ومعادلات وتوازنات كيميائية بالغة التعقيد، ربما لو انتبه إليها الإنسان حين يجرى فقد يتوقف عن الجرى.. وهناك أكثر من كتاب جميل ومهم.. كلها عن الجرى وتاريخه وثقافته وضرورته وحكاياته أيضا.. مثل كتاب «تقاليد الجرى» لتيم نواكيس.. «ما الذي أتحدث عنه حين أتحدث عن الجرى؟» لموراكامى..

و«ولدت لأجرى» لكريستوفر ماكدوجال.. ومن هذه الكتب نعرف أن الجرى سلوك إنسانى قديم جدا.. فنحن جرينا لكى نأكل أو نهرب ممن يريد أن يأكلنا.. جرينا من أجل الأمان والفرجة واستعراض القوة والقدرة.. وحين لم نعد نحتاج للجرى من أجل ضرورات حياتنا وأماننا وطعامنا، أصبحنا نجرى من أجل لياقة أجسادنا أو للفوز ببطولة وكأس وميدالية.. وأحيانا نجرى فقط من أجل المغامرة أو إحساس البهجة، أو حتى نجرى من أجل الحب منذ أن تعلمنا على شاشة السينما كيف ولماذا كان يجرى أحمد ومنى.. وبعضنا يختصر كل تاريخنا وثقافتنا مع الجرى في سباق الماراثون الذي أصبح أشهر سباق للجرى في العالم والدورات الأوليمبية بعد أن جرى جندى يونانى اسمه فيدبيديس أربعين كيلومترا ليخبر أهل أثينا أنهم انتصروا على الفرس في منطقة ماراثون، ثم مات بعدها من التعب والألم.. وأصبحنا اليوم نعرف ونهتم ونتابع وأحيانا نشارك في سباقات الماراثون.. وقد شارك الرئيس السيسى أمس مع كثيرين جدا في شرم الشيخ في ماراثون من أجل السلام.. وهو جميل أن نجرى من أجل السلام، لكن الأجمل بالتأكيد هو أن نجرى كلنا قريباً من أجل الانتصار.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى